السؤال الذي يحاصر المؤلف غالبا ولا يجد إجابة عنه: أين أنت في الرواية؟ ولا أعلم إن كان يحق للقارئ طرح هذا السؤال أم لا؟ الذين يعرفون الروائي ويعيشون نمطا قريبا من حياته يجتهدون في البحث عنه وكأنه ضالتهم المقصودة واكتشافها هو المفتاح الوحيد لفك مغاليق النص. وتتحول القراءة من علاقة بين القارئ والعمل الروائي وشخوصه إلى علاقة مباشرة بين المؤلف والقاري، فيسأل أحدهم سعود السنعوسي مرة هل أنت كويتي من أم فلبينية! وهي علاقة محكومة بالفشل في الوصول إلى نهاية مقنعة للقارئ حين يرى أن المؤلف ابتعد عن مكانه الذي يعرفه القارئ (العليم) الى عالم البطل في الرواية، لتبدأ حكاية بحث أخرى عن البطل والبحث عن شخصية واقعية يعرفها القارئ تقترب من البطل.

Ad

يدخل القارئ متاهة جديدة في البحث عن شخصية يعرفها تقترب من صفات البطل والذي ان لم يكن المؤلف فهو شخصية يعرفها المؤلف وبالتالي يعرفها القارئ أو يقترب من معرفتها مسكونا بالشخصية التي رسمها المؤلف. وكان السؤال ذات يوم من هي الفتاة الكويتية التي وردت في رواية شقة الحرية لغازي القصيبي؟ قلق البحث لا يتوقف في الذهنية الشرقية والخليجية بشكل خاص عن أبطال الروائي لأسباب سنذكرها لاحقا.

لا يستطيع القارئ الخليجي اليوم الخروج من دائرة واقعية العمل الى العمل التخيلي. فإن لم يكن المؤلف الكل موجودا في العمل فهناك المؤلف الجزء وان لم يكن جميع الأبطال هم شخوص من واقعه فإن بعض هؤلاء الأبطال أو أحدهم على الأقل هو شخصية واقعية أخفى المؤلف اسمها ولم يخف سلوكها وسماتها العامة التي تنطبق على صورة ذهنية مسبقة يحاول القارئ اعادة تشكيلها في الذهنية القرائية. وفي حال مفارقة الشخصية للواقع يصبح العمل افتراء على الواقع وابتعادا عن مضامينه التي يجب ألا تمس وكأنها مقدس من المقدسات.

بالتأكيد لهذا أسبابه في العمل الروائي الخليجي ويمكن أن نتفهم هذه القراءة لحداثة التجربة الروائية في الخليج كتابة لا قراءة، لأن القراءة بالتأكيد سبقت الفعل الكتابي. في التجربة الخليجية كانت القصة القصيرة والرواية فيما بعد تسجيلا لحياة غنية في إرثها المسكوت عنه وهو تسجيل طبيعي صاحب الروايات العالمية والعربية التي سبقت الخليجية في بداياتها. هذا التسجيل الواقعي يشترك فيه المؤلف والبطل والقارئ وهم يعيشون حياة متشابهة والاشتباك المعرفي بينهم مبرر حيث يتحرك الأبطال في المساحة التي يعرفها المؤلف والقارئ، وهو أيضا نتيجة منطقية لزمن اقتصرت القراءات فيه على النصوص العربية المتوافرة في تلك الثقافة الأولى.

بعد دخول النص المترجم بقوة الى حياتنا الثقافية الجديدة وحركة التعليم والبعثات ودخول النص العالمي تغيرت الكتابة الروائية وأخذت منحى مغايرا ونموا طبيعيا في عملية التأليف والتخييل ولم يعد الواقع مغريا في النقل التسجيلي الكامل له. وكان على القارئ أن يدرك ذلك ويتعايش معه. فلم تعد شخصية المؤلف الكل ولا البطل الواقعي الكل سببا في انتاج العمل الروائي. فالعمل الروائي مساحة واسعة من الخيال الصانع الأساسي لما يسمى رواية  Novel أو متخيلFiction  لأنني لا أعتقد بأن كلمة رواية هي الترجمة الدقيقة للعمل الروائي ولا تقابل نظيرتها الأجنبية التى أسست لهذا الفن.

القارئ هو سبب حياة النص وليس مؤلفه وعليه أن يتعامل معه بعيدا عن واقعية النص والتعسف في اخضاعه للواقع ومطابقته له. وأن ينطبق على النص الروائي الخليجي قراءة ما ينطبق على النص الأجنبي الذي لا يعرف القارئ مؤلفه ولا شخصياته ومدى تطابقها مع الواقع ولا يهتم في أن يعرف.