ضجة قلم

نشر في 22-03-2014
آخر تحديث 22-03-2014 | 00:01
 يوسف عوض العازمي نحن في مجتمع لا تعتبر القراءة من أولوياته، وأعتبر قارئاً واحداً يفهم ويهتم ويقتنع بمقالتي أفضل من ألف قارئ يمر عليها مرور الكرام.

فالقراء الحقيقيون في هذه الحقبة من الزمن نادرون، وكثير منهم قد تكون صفحة المقالات آخر اهتماماته، ولا أستطيع لومهم لأسباب عدة: أولها، زخم الإعلام الإخباري المرئي والمسموع، حيث سيطرت على اهتمامات الناس أنباء ما يجري في المنطقة من مآسٍ وأزمات سياسية، وثاني تلك الأسباب، حتى نكون منصفين، انكفاء الكتّاب المميزين وندرة الكتّاب الذين لا تستطيع ترك مقالهم حتى تنهيه، فمثل هؤلاء أصبحوا غرباء في شارع الصحافة ويندر وجودهم.

فالآن هناك كثير من الكتّاب ممن يوصفون بالكبار هم مجرد متسكعي شوارع خلفية! ينفعون في أي شيء إلا الكتابة المحترمة، ولا تخرج كتاباتهم عن شتائم، أو شتائم مبطنة، أو كتابات حزبية غبية، أو طائفية مدمرة، هذا غير خفّة الدم السمجة التي اشتهر بها عدد لا بأس به منهم ممن أصبحوا يوصفون بأنهم كتّاب كبار! ومع ذلك فهم يحققون نسب قراءة عالية وأشبّههم وقراءهم بـ"شنّ الذي وافق طبقه" واللهم لا اعتراض.

أتذكر في بدايات نشر مقالاتي (مازلت مبتدئاً) كان أحد القراء يتصل بعد كل مقال ليناقشني في ما كتبت، لا أبالغ إن قلت إن النقاش الهاتفي كان يستغرق ساعة وأحياناً أكثر، وكان يدقق في كل مفردة ولفظة، وكان يفتش في المعنى والمقصود بشكل عجيب!

لا شك أني كنت سعيداً بمتابعته واهتمامه، وكنت أحسبه أيامها أنه وحده من يشكل جمهوري من القراء، فهو "قارئي الوحيد"، كما كنت أصفه، إن القارئ الجيد يحفّز الكاتب ويشعره بأهمية ما يكتب.

***

القضايا التي تستحق الكتابة كثيرة، لكن المقال الأسبوعي يفرض على كاتبه الاختيار الحذر لما يستحق كتابته أو تحليله سواء كان حدثاً سياسياً أو غيره مثلاً... في الأسبوع الماضي عايشنا أحداثاً متنوعة محلياً مثل إعلان حركة "حشد"، تلك الحركة التي أعتبرها غريبة الأوصاف عجيبة الطرح، فقد اختزلت مشاكل البلد كلها في الأسرة الحاكمة، حفظها الله، و"هات يا تجريح" وانتقادات حادة، ومن ثم يكتشف المتابع أن هؤلاء وبعد انتقاداتهم وتجريحهم يتناولون العشاء والكل يسري إلى منزله و"يا دار ما دخلك شر"... هل هناك شهادة حسن سير وسلوك للأسرة الحاكمة أجمل من ذلك؟... لا أظن!

نلتفت عالمياً ونرى القيصر الجديد فلاديمير بوتين يضم شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا قسراً، بل يجري استفتاءً لشرعنة الضم وسط ذهول دولي و"اللي ما يشتري يتفرج"!

ثم مأساة الطائرة الماليزية وغموضها وغرابتها، ويحضرني قول الكابتن سامي النصف، حيث اختصرها ببلاغة عندما قال: إنها إن كانت متجهة شمالاً فنحن أمام "اختطاف"، وإن كانت جنوباً فنحن أمام "انتحار"... هذا كلام النصف، وهو كابتن متخصص ومتمكن وليس كلامي.

***

نرجع إلى الكتابة، فالكاتب يحب دائما التعامل مع القارئ شديد الذكاء ويتصور أن من يقرأ الصحيفة قارئ لماح، "يفهمها وهي طايرة"، كما يقول المثل الشعبي، لذلك أجد أنه من المفيد ملاعبته ببعض العبارات الغامضة التي لا يفهمها إلا شديد الذكاء، وأحياناً يصدق حدس الكاتب، وتتحقق هنا متعة الكاتب بالكتابة عندما يعلم أن قراءه أذكياء... وفي أحيان كثيرة أذكى منه، فكتّاب الشأن السياسي يحتاجون دائماً إلى قارئ لماح يقرأ ما بين السطور كقراءته ما فوقها... فما أجمل أن يكون قراؤك أذكياء!!

back to top