أدخلك مسلسل «وأشرقت الشمس» إلى عالم الشاشة بعدما انطبعت صورتك بالمسرح، ما الذي دفعك  إلى اتخاذ هذه الخطوة؟

Ad

في البداية لا أعتبر الدراما أقل شأنًا من المسرح، لأن مستوى العمل هو الذي يحدد أهميته. بالنسبة إلى قرار المشاركة في مسلسل تلفزيوني، فقد كنت متحمسًّا لتقديم عمل درامي، شرط أن تعجبني الشخصية وأحب الدور، وعندما اتصلت بي الكاتبة منى طايع وسألتني ما إذا كنت أرغب في التعاون بعمل جديد، وافقت بعدما قرأنا النص معًا ووجدت أساسه متينًا ودوري جميلاً.

ألم تولي أهمية لهوية المخرج والممثلين المشاركين في العمل؟

أثق بالكاتبة منى طايع لأنني  أدرك مدى حرصها على عملها، ومن ثم  تعرفت إلى المخرج شارل شلالا وفريق العمل والشركات المنتجة،  فارتحت أكثر.

لكن دورك في المسلسل يختلف عن أدوارك المسرحية.

هذا هو التحدي الذي أردته، أي تجسيد شخصية درامية ترتكز على التمثيل من دون الغناء.

حدثنا عن دورك.

أجسد شخصية خليل وهبي،  شاب يفكّر بذهنية مختلفة عن محيطه الإقطاعي الذي نشأ فيه، فهو يتعاطف مع المزارعين ويُغرم بفتاة  من بينهم ويتزوجها، فترفض عائلته خطوته هذه وتلاحقه،  ما يؤدي إلى تعزيز الصراع الطبقي بين المشايخ والمزارعين. فضلا عن أنه يهتم بالشؤون الوطنية والسياسية ويسعى إلى تحرير وطنه من الغريب.

كيف  تقيّم ردود الفعل حول دورك الدرامي الاول؟

إيجابية، وشجعني أهل الاختصاص والمشاهدون الذين اقتنعوا بأدائي. كنت بانتظار هذه الردود  ومدى تقبل إطلالتي الجديدة، خصوصًا أننا تعبنا في التصوير، لكنني مرتاح الآن، بفضل هذه الردود التي جاءت أفضل مما تصوّرت.

برأيك، هل  ما زلنا نعيش الاقطاعية نفسها؟

طبعًا، وعلى الصعد كافة، كل شيء حولنا مزيّف، ويسعى كل فرد إلى تحقيق مصلحته الخاصة وإلغاء الآخر، لأننا لم نعرف بعد كيف نتعاون كمجموعة،  سواء على الصعيد السياسي أو الفني، حيث الغيرة اللامنطقية ومحاربة الآخر، ما غيّب العدالة التي يتحكّم بها، في الحقيقة، صاحب السلطة والمال.

هل من شبه بين شخصية سيف البحر التي قدمتها في مسرحية «صيف 840» وخليل وهبي؟

طبعًا،  لا سيما التضحية في سبيل القضية والتحرير، وتكوين مجموعة من الشباب المؤمنين بالقضية نفسها.

لماذا تم اختيارك لهذه الشخصية برأيك؟

لأنها ثائرة على الظلم والاضطهاد والإقطاعية والاحتلال، وهي تشبهني شخصيًا وتشبه الأدوار التي  أديتها على المسرح.

ماذا تقول للشعوب العربية التي تعاني أزمات وحروباً؟

يجب أن تسعى إلى تحقيق  العدالة للجميع وأن تعيش حرية حقيقية، لا أن يظلم الإنسان الحر الإنسان الآخر ويُسجنه ويفرض عليه رأيه، بل يجب أن يتقبل الآخر كما هو. إذا  لم تناضل هذه الشعوب في سبيل حريتها المسؤولة فلن تحقق العدالة.

تدور أحداث المسلسل خلال حقبة زمنية قديمة، فلا مشاهد فخامة في اللباس والسيارات ولا مظاهر مبهرة، ما سبب نجاحه برأيك؟

هو مسلسل حقيقي يعبّر عن قضايا تلامس كل إنسان، فمن منّا لم يشعر بالظلم والهيمنة والقهر والسلطة الجائرة، إنها معاني تتخطى الزمان والمكان، فضلا عن النص الجميل والإخراج المتقن والاختيار المميز للممثلين الذين أدوا أدوارهم بشكل رائع، ما أدى إلى تكامل  العناصر.

اعتبر كثر أن بطولتك للمسلسل أعطته دفعًا، خصوصًا أن الجمهور مشتاق لحضورك ويشعر بفضول لرؤيتك في دور درامي، ما رأيك؟

بصراحة لا استطيع التحدث عن نفسي، ولكن إذا نظروا إليّ من هذا المنظار، فهذا يفرحني لأنه يعني أنني على قدر توقعاتهم وأحبوا دوري. فما من لحظة تضاهي لحظة النجاح وشعور الفنان  بمحبة الناس، لأن ذلك يريحه بعد التعب الذي بذله، في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها الدراما اللبنانية، لذا أتمنى أن يضعها هذا المسلسل في المكان الذي تستحقه.

هل أنت خارج إطار زمان الوسط الفني ومكانه؟

ليس إلى هذه الدرجة، إنما اتخذت، ربما، خيارًا فنيًا غير متوافر للجميع، أو ليس بمتناولهم، وهو صعب ويحتاج إلى تضحية من دون مردود مادي، إنما أجد سعادتي في المسرح حيث يتوافر المستوى الفكري والكتابي والشعري والغنائي.

كيف تقيّم  مستوى الفن العربي عموماً واللبناني  خصوصاً؟

في تراجع بسبب أعمال متدنية، أداءً ولحنًا وكلامًا، تُفرض على الناس  بفعل الهيمنة المادية الخطيرة على القطاع الفني التي تساهم في تراجع الفن وتحول دون وصول أغنيات تحمل مواصفات متكاملة، فأصبح أي شخص متمكن ماديًا قادرًا على طرح الأغنية  التي يريد، سواء كانت تافهة أم لا، طالما يملك الإمكانات لذلك.

هل هذا انعكاس للمستوى الثقافي الاجتماعي؟

هو انعكاس للمستوى السياسي، لأن تفككه، برأيي، فضلا عن الصراع على الهوية في العالم العربي، يؤديان إلى ذلك. فلو توافر الاستقرار السياسي لانعكس إيجابًا على الاستقرار الاقتصادي والأمني، واختلفت  ذهنية الناس وارتاحوا، فلا يلجأون إلى مهنة ليست لهم، أساسًا، لكسب المال.

رافقت أغاني «صيف 840» الثورية تظاهرات الأطراف والأطياف اللبنانية، فهل تعتبر أن للفنان دورًا وطنيًا؟

أكيد، يجب أن تؤدي الأغنيات دورها الوطني وتضيء على النواحي الإنسانية والوطنية، كون الفنان قادرًا على إيصال رسالته عبر صوته وأعماله إلى الاعلام والناس. لذلك أحببت المسرح الغنائي لأنه ليس ترفيهياً فحسب، بل ثقافي ونضالي أيضًا ويتناول أموراً وطنية إنسانية اجتماعية، فأنا لم أشعر يومًا أنني أقدم مسرحًا لتسلية الناس، بل أحمل إليهم مضمونًا ورسائل مختلفة. كذلك على صعيد الأغاني التي قدمتها مثل «يا أهل الارض وانتو ترابها»، و{كل شي تغيّر»، و{دعني اسمع صوتك» التي اضأنا من خلالها على مرض التوّحد ومعاناة الأهل مع طفلهم المريض.

ما سر ارتباطك بأرضك وتراثك وبالأغنية اللبنانية؟

للتربية دورها في هذا الإطار،  الى ذلك عندما يصبح المرء ناضجًا يتمسّك بوطنه، أينما ذهبنا سنكون دائمًا في البلد الآخر، وليس في البلد الذي يحوي جذورنا وتراثنا وهويتنا. ثم لا تقتصر الهوية على المساحة الجغرافية، إنما هي بصمة الإنسان في شكله وصوته وثقافته وشعره، هذه الأمور كلها تؤسس له وطنًا على قياسه الخاص. مثل الشعر اللبناني العامي الذي يشبهنا والأغنية اللبنانية التي أسسها فنانون كبار على غرار: زكي ناصيف ووديع الصافي وغيرهما، برأيي يجب الانطلاق من هؤلاء لنقدم الجديد الذي يشبهنا ويشبه تراثنا وهويتنا، لا أن نتلون بموضة من هنا أو هناك.

ما رأيك ببرامج الهواة الخاصة بإطلاق الفنانين؟

يجب ألا يقتصر هدفها على تقديم فنان إلى الجمهور، إنما يجب توجيهه في مرحلة ما بعد انتهاء البرنامج والاهتمام به لصقل موهبته، ويصبح قادرًا على اتخاذ خيارات فنية صائبة تخدم بلده.

في الماضي تعب الفنانون لتحقيق نجومية، فيما يسهل تحقيقها، اليوم،  من خلال هذه البرامج، فهل يستطيع هؤلاء الهواة تحمل المسؤولية؟

موهبة البعض مهمة وأراهم قادرين على تحمل المسؤولية،  لكن لا يهدف القيمون على هذه البرامج إلى إطلاق فنانين كبار في العالم، بل إلى التجارة والمادة واستقطاب الناس، من خلال الضيوف ولجنة التحكيم  المؤلفة من نجوم معروفين جماهريًا، ما يحقق نسبة مشاهدين مرتفعة وربحًا عبر الاتصالات من لبنان والعالم العربي.

ما الخطوة التالية بعد المسلسل؟

أنا في طور البحث عن أغنية مناسبة لإطلاقها مطلع العام الجديد لكنها لم تتبلور بعد.إضافة إلى الأغنية، سنجول قريبًا في العالم العربي لتقديم «ليلة صيف رحبانية» ، مع أسامة وغدي ومروان الرحباني والأوركسترا الفيلهرمونية الأوكرانية، أؤدي فيها أغنيات مسرحياتي مع الفنانين: هبة طوجي، رونزا، فاديا طنب، نادر خوري، سيمون عبيد وإيلي خياط.

قصّرت في الإنتاج الغنائي.

صحيح، لأنني قدمت مسرحًا غنائيًا.

هل للأغنية اللبنانية روادها في العالم العربي؟

نلمس تفاعلا من الجمهور العربي والخليجي تجاه الأغنية اللبنانية، وهذا ليس مستغربًا، إذ لطالما أحبوا صوت فنانينا الكبار مثل وديع الصافي وفيروز وصباح، فكيف بالحري اليوم مع انتشار الفضائيات العربية.

مسرح

هل يستطيع العمل الدرامي تقريب الممثل من الجمهور أكثر من المسرح؟

يؤدي التلفزيون دورًا أكبر  في هذا المجال، لأنه يدخل إلى كل منزل بشكل يومي من دون كلفة، فيستمتع المشاهد بمتابعة الأعمال الجميلة، خصوصًا أن كثيرين لا يستطيعون الذهاب إلى المسرح بسبب بُعد المسافة أو الكلفة المادية. علمًا أن ثمة عودة إلى التلفزيون، على الصعيد العالمي، لأنه مطلوب جماهريًا أكثر، فنرى ممثلي السينما أو المسرح يتوجهون إلى الأعمال التلفزيونية.

واظبت خلال مسيرتك على المشاركة في مسرح الرحابنة، ما السبب؟

قدمت مسرحيات مع روميو لحود وفرقة كركلا، لكن كمّ الأعمال المسرحية مع الرحابنة أكبر لأنهم عرضوا عليّ  أعمالا ضخمة، من الصعب رفضها كونها خالدة، وستبقى محطات مضيئة في تاريخ الفن اللبناني والعربي.

انطلق فنانون كبار أسسوا التراث اللبناني  من المسرح، فأي مصير للمسرح اللبناني راهنًا؟

يحتاج المسرح الكبير الذي نقدمه بإنتاج ضخم إلى استقرار وطني، لأن أي خلل أمني يوقف المسرحية، ونحن نمرّ راهنًا في أصعب المراحل على الصعد المختلفة.

هل  يرسخ المسرح صورة الفنان في الذاكرة، كما كان في الماضي؟

يرتبط هذا الأمر بمستوى النص المسرحي، ثمة أعمال تافهة وأخرى عظيمة راسخة في الذاكرة، على غرار مسرحيتي «صيف 840» و{المتنبي» وغيرهما من الأعمال التي دخلت كل بيت، واعتمدها الأهل لتثقيف أولادهم وتربيتهم على هذا المستوى من الثقافة المسرحية.