في ضوء التحديات الكبرى التي تواجه اليابان لا يملك المرء إلا أن يُعجَب بتصميم رئيس الوزراء الياباني على إنهاء الركود الاقتصادي الذي دام في البلاد طيلة عقدين من الزمان، والواقع أن استراتيجيته- "الأسهم الثلاثة" التي تتألف من التوسع النقدي الكبير، وزيادة الإنفاق الحكومي، والإصلاح البنيوي- سليمة من الناحية النظرية، ولكن لم ينطلق حتى الآن سوى سهم واحد ونصف السهم.

Ad

ذلك أن حزمة التحفيز تقابلها زيادات ضريبة الاستهلاك التي تهدف إلى تقليص عبء الديون الضخمة المستحقة على اليابان، وهي العملية التي من شأنها أن تدفع العديد من المستهلكين اليابانيين إلى تعديل إنفاقهم نزولاً. حتى الآن لم يتم تقديم الإصلاحات البنيوية الموعودة في قطاع الطاقة، وسوق العمل، وسياسة المنافسة، ويبدو من غير المرجح أن يبدأ تنفيذها في أي وقت قريب، وهناك حقائق ثابتة أكثر إثارة للقلق- مثل الشيخوخة السكانية السريعة والانكماش السكاني- التي من شأنها أن تحد من نمو الاقتصاد الياباني في العقود المقبلة. ولكن مشاكل اليابان ليست فريدة من نوعها، فالواقع أن جارتها ومنافستها التاريخية كوريا الجنوبية تتجه نحو مسار مماثل، والفارق هو أن كوريا الجنوبية ربما لا تزال لديها بعض الوقت لتحسين هذه الاتجاهات وتجنب الانزلاق إلى مستنقع أشبه بالمستنقع الياباني من النمو المنخفض الدائم والانحدار الطويل الأجل.

إن كوريا الجنوبية- سابع أكبر دولة من حيث التجارة في العالم، وواحدة من أبرز قصص النجاح الاقتصادي في نصف القرن الماضي- معرضة لمثل هذا المستقبل القاتم نتيجة لعوامل ديموغرافية في المقام الأول والأخير، فالسكان في سن العمل في كوريا الجنوبية يتناقصون بنسبة 1.2% سنوياً، وهو أسرع انحدار بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الأويسيد).

ورغم العديد من العوامل التي تؤدي إلى خفض معدل الخصوبة في كوريا الجنوبية، فهناك عاملان اقتصاديان بارزان، فأولاً هناك مستويات ديون الأسر الهائلة، التي تستولي على ربع الدخل، مع انفراد أقساط الرهن العقاري بنصيب الأسد، وتتجاوز نسبة أسعار المساكن إلى الدخل ضعف نظيرتها في الولايات المتحدة.

وثانياً، تشعر الأسر الكورية بالالتزام بإنفاق نسبة كبيرة من دخلها (10% في المتوسط) على التعليم. ومع ادخار الأسر لنحو 4% فقط بالفعل من دخلها، مقارنة بنحو 20% في عام 1988، فلم يعد هناك مجال للإنفاق الإضافي. ومن السمات المصاحبة لسوق العمل في كوريا الجنوبية أن معدل مشاركة النساء في قوة العمل، نحو 33% فقط بين النساء في الفئة العمرية 30- 390 من أدنى المعدلات في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويعكس هذا جزئياً صعوبة الموازنة بين تربية الأطفال والعمل في كوريا الجنوبية، مقارنة بأوروبا أو الولايات المتحدة على سبيل المثال.

الواقع أن معدل مشاركة الإناث في قوة العمل في كوريا الجنوبية أدنى حتى من نظيره في اليابان، حيث قوائم انتظار رعاية الأطفال، وعلاوة على ذلك فإن كوريا الجنوبية لم تستثمر بالقدر الكافي في مراكز الرعاية النهارية، حيث الشركات نادراً ما تقدم دعم رعاية الأطفال. ولأن نساء كوريا الجنوبية لا يملن إلى الاحتفاظ بوظائف مربحة فإن تكاليف رعاية الأطفال تكون باهظة غالبا.

ولم تحدث الزيادة الأخيرة في الحد الأدنى لسن التقاعد الطبيعي في كوريا الجنوبية فارقاً كبيراً لتحسين التوقعات في سوق العمل، فالأجور في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي توظف 88% من العاملين لا تزال متأخرة كثيراً عن الأجور في التكتلات الكبرى؛ وتتقلص الطبقة المتوسطة من حيث حصتها في الأرباح.

ولكن كوريا الجنوبية تتمتع ببعض المزايا التي لا تتمتع بها اليابان، فرغم أن سياسات التحفيز الحكومية أدت إلى زيادة الدين الوطني، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تظل منخفضة نسبيا، عند مستوى 3.7% تقريبا. وعلى النقيض من هذا فإن الدين العام في اليابان يتجاوز 220% من الناتج المحلي الإجمالي. علاوة على ذلك، ورغم اعتماد كوريا الجنوبية على الصادرات، فإن الاستهلاك المحلي لا يزال قويا، ويساهم الإنفاق السخي على البحث والتطوير والتنمية، جنباً إلى جنب مع دافع قوي لاحتلال قمة الإبداع التكنولوجي، في تسارع وتيرة الإبداع، وهذا من شأنه أن يخلق المجال لمعالجة أحد التحديين الرئيسين اللذين يواجهان الاقتصاد: انخفاض الإنتاجية في الخدمات وعوامل الاختلال الديموغرافي.

إن إنتاجية الخدمات في كوريا الجنوبية أدنى من إنتاجية قطاع التصنيع بنحو ست مرات، والواقع أن عمليات التكتلات الكبرى في كوريا الجنوبية- التي تهيمن على الإنتاج، إن لم يكن تشغيل العمالة- تحتاج إلى تعديلات ضرورية بحيث تدعم مكاسب الإنتاجية في قطاع الخدمات المهيمن على نحو متزايد.

والمفتاح إلى تحقيق هذه الغاية، كما هي الحال في اليابان، يتلخص في تعزيز المنافسة في الخدمات، وإذا استمرت التكتلات التجارية في القيام بنفسها بوظائف الدعاية والتمويل وتكنولوجيا المعلومات الخاصة بها فإن هذا من شأنه أن يخنق الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ويتطلب الأمر فضلاً عن ذلك مراجعة التركيز الصناعي، وأيضاً الجهود الحكومية الضخمة الرامية إلى تعزيز نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في مشاريع جديدة من خلال تقديم الحوافز وضمان القدرة على الوصول إلى رأس المال وخفض الحواجز التي تحول دونها والدخول إلى الأسواق. وزيادة فرص العمل في وظائف الخدمات العليا، خصوصاً للنساء، من شأنها أيضاً أن تعمل على تحسين التوقعات بالنسبة إلى كوريا الجنوبية بشكل كبير.

ولكن في الأمد الأبعد، تتوقف آفاق كوريا الجنوبية إلى حد كبير على قوة العمل. إن ارتفاع نسبة الإعالة- التي من المتوقع أن تتجاوز 50% بحلول عام 2030، عندما يصبح 36% من السكان فوق سن الخامسة والستين- من الممكن أن يقود البلاد إلى كارثة. فسوف ترتفع تكاليف الرعاية الصحية، وهذا من شأنه أن يزيد من الضغوط على ميزانية البلاد. وفي هذا السياق، فإن النمو المحتمل قد يتراجع عن المعدل السنوي المتوقع (2.5%)، حتى رغم أن مخزون الاقتصاد من رأس المال لا يزال في حالة طيبة.

لقد تعلمت كوريا الجنوبية العديد من الدروس الإيجابية من اليابان، وقد استولت على العديد من أسواق التصدير اليابانية؛ واستوردت التكنولوجيات اليابانية وكيَّفتها؛ ووظفت أساليب تخطيط مماثلة؛ وكانت التكتلات التجارية الكبرى ثمرة لنموذج المجموعات التجارية اليابانية.

ولكن ينبغي لكوريا الجنوبية الآن أن تتعلم من تجارب اليابان السلبية، فالإصلاح البنيوي يجب ألا ينتظر، ولابد من توجيه المشاعر القومية نحو تأمين الدعم العام للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية العميقة.

ولن يحتاج زعماء كوريا الجنوبية إلى البحث بعيداً لكي يكتشفوا ما الذي سيحدث حتماً إذا فشلوا في معالجة التحديات التي تلوح في الأفق بسرعة وحزم.

داني ليبزيغر

* أستاذ الأعمال الدولية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، والمدير الإداري لمبادرة حوار النمو.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «لجريدة»