نعم «منشار»... يا سمو الأمير!
التعليق المقتضب الذي وصف فيه ولي عهد المملكة العربية السعودية صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز البنوك بأنها "كالمنشار طالع واكل ونازل واكل"، هو تشخيص دقيق من سموه لوضع النظام المصرفي في عالمنا العربي والعالم أجمع، ولنهم تلك المؤسسات المالية للربح بلا حدود، ودورها في أزمات العالم الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية، ولا يمكن تجاهل أن المشكلة المالية التي يعانيها العالم منذ خريف 2008 منبعها مقامرة البنوك في المشتقات المالية وجشعها الذي أدى إلى انهيار بعضها، وجر لاحقاً خلفه اقتصاد العالم للتداعي، وما سببه ذلك من مآسٍ اجتماعية لعدة دول وشعوب حول العالم.ممارسات البنوك تلك، أدت إلى أن يطالب الناخب الأميركي بتعديل القوانين لمواجهة انحراف البنوك وجشعها وممارساتها الاستغلالية، وهو ما شرع به الرئيس الأميركي باراك أوباما في بداية ولايته الأولى عبر تشديد الرقابة وقوانين احتساب الفوائد اللامتناهية على بطاقات الائتمان "كريدت كارد" التي كانت فوائدها تحتسب مضاعفة وبشكل لا يمكن للعميل أن يحسبه أو يعرفه، ولكن مسيرة إصلاحات البنوك في أميركا توقفت ولم تكتمل، وهو ما يعود إلى قوة البنوك وتأثيرها وتداخلها مع الحكم وسلطة اتخاذ القرار السياسي في الولايات المتحدة ومعظم دول العالم.
وفي الكويت، ومنذ عام 2004 لم يستطع أحد أن يجعل البنوك تتراجع عن ما تقرره تجاه ملف مشكلة القروض وفوائدها، وكان للبنوك اليد العليا في تشريعي صندوق المعسرين وصندوق الأسرة، فتوثيق القرض يوقف حق تقاضي العميل ضد البنك، وفي صندوق الأسرة تم للبنوك ما أرادت ورفع حق إرجاع الفوائد التي أخذت بدون وجه حق بحجة صعوبة عملية احتسابها، بينما يظل البنك يحسب القرض وفوائده لـ30 عاماً على عميل بالإضافة إلى خدمة القرض ومصروفاته دون أي صعوبات! كما أن شهادة المديونية التي يصدرها البنك على العميل لا راد لها من الجهات الحكومية التي تعتمدها دون أي نقاش أو اعتراض في صندوق الأسرة! كما أن حكومة الكويت، دون دول العالم، تضمن للبنك أن راتب الموظف الحكومي سيحول إلى البنك الذي اختاره في بداية حياته وإلى الأبد ولا يمكن أن يتسلمه شخصياً أو عبر شيك أو أي بنك آخر إلا بموافقة البنك الأول! بقرار "قرقوشي" لا شبيه له حول العالم، إذ إن البنك الذي يقرض أو يمول عميلاً هو المسؤول عن قراره ولا توجد دولة في العالم ترهن راتب موظف حكومي لبنك ما، كما أن الكثير ممن يتخذون القرار ويمارسون الحكم في الدولة هم من ملاك البنوك بشكل مباشر أو غير مباشر.والمؤلم في قضية المصارف هو زج الدين الإسلامي في هذا العمل الاقتصادي في سبعينيات القرن الماضي لأهداف بعضها سياسي لدعم مشروع مواجهة المد القومي الثوري في العالم العربي ودعم حركات الإسلام السياسي، والمؤسف أن البنوك الإسلامية التي نقض نظامها ومنهجها متخصصون في الشريعة الإسلامية عززت النهم للربح والاحتكار، فزادت أسعار أراضي السكن الخاص ومواد البناء والسيارات التي تتاجر فيها، وأصبحت قروضها حكماً مؤبداً فلا تستفيد مما دفعته "مرابحة" إذا سددت القرض مبكراً، ونظام القروض عملية "غامضة" إذ تتسلم قيمة القرض من تاجر أخشاب أو أسمنت يقتطع منه ما يريد من رسوم ومصاريف، كما أنه لا يمكن مقاضاة البنك الإسلامي لأن الأمر سيعرض على لجنة شرعية من المستحيل أن تكون مع العميل، لأن من يشرعن عمليات البنك الإسلامي هم أنفسهم أعضاء اللجنة الشرعية!بالتأكيد، إن توصيف الأمير مقرن بن عبدالعزيز للبنوك هو عين الصواب الذي يشاركه فيه مجموعة من الاقتصاديين الذين يطالبون بإصلاح وإعادة تنظيم القطاع البنكي ودوره في المجتمعات حتى لو كانت له بعض المساهمات في المشاريع الاجتماعية الخيرية بشكل استعراضي، بينما على المقلب الآخر فإن للبنوك ممارسات جشعة تدمر النظام الاجتماعي، ولذلك فإن الإصلاح العاجل مطلوب أن تبحثه منظمات دولية مستقلة بعيداً عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين أنشأهما نفوذ "كارتيل البنوك" لرعاية مصالحه وتعظيم أرباحه!