أقلام تحتها شياطين!
إننا نعيش في أجواء ليست مشحونة فحسب، بل ممهدة وجاهزة لكل أنواع الانتقام الشرس والتلذذ بالقتل باسم الطائفية ليس في الشام والعراق فقط، بل على امتداد لبنان والأردن والسعودية والكويت، تماماً مثل ما جرى على أفغانستان والباكستان والشيشان خلال العشرين سنة الماضية، وبدلاً من مخافة الله في أنفسنا وأبنائنا عبر إطلاق الفكر التوافقي والكلمة الطيبة، يتعمد البعض صب الزيت على النار.
محاولة الكاتب صالح القلاب "للترقيع" عن مقاله "الشيطاني" الذي تعرّض وافترى فيه على المرجع الديني الأعلى آية الله العظمي السيد علي السيستاني لا تقل سوءاً في التعبير عن الحقد الطائفي الذي ابتليت به الأمة، حيث يتسابق أدعياء العلم والثقافة والدين لاعتلاء النجومية، ولو على حساب دماء الناس ومشاعرهم ومعتقداتهم.والشقّ السياسي في "ترقيعة" القلاب لا يختلف عن الشقّ الديني في الجهل المركب، الأمر الذي يعني تعمد الإساءة عن دراية حقيقية، فادعاء الكاتب معرفته بالمرجعية الشيعية ومباركته للثورة الإيرانية يفترض أن تكسبه ذرة من الإنصاف والموضوعية في تفسير فتاوى المراجع التي طالما كانت صمام أمان لوأد الفتن وحقن الدماء في أشد الظروف وأصعب المواقف. وإذا كان القلاب يزعم التحليل السياسي في مقاله الأخير، فكيف يجيز لنفسه أن يطلق على ممارسات "داعش" التي جمعت المرتزقة من كل بقاع الكون على أراضي الغير، واستباحت الأعراض وحلّلت قطع رؤوس الأطفال وهددّت بل نفذت تفجير الأضرحة، ونبشت قبور أولياء الله الصالحين والصحابة والتابعين في سورية والعراق بـ"الثورة"، بينما يصف فتوى الإمام السيستاني في دفاع المواطنين العراقيين عن أنفسهم وفي عقر دارهم وحماية أعراضهم ومقدساتهم بالتحريض الطائفي؟!وعندما يتباكى الكاتب على دماء المسلمين "في المستقبل" من فتوى الجهاد الكفائي كنا نتمنى أن تكون لديه نفس الأحاسيس الإنسانية حين كانت أشلاء زوار أئمة أهل البيت (ع) تقطع إرباً بالسيارات والأحزمة المفخخة، وتحوّل مواكب الأعراس إلى لحم متطاير، ولا يسلم مرتادو المقاهي والأسواق الشعبية وتلاميذ المدارس من القتل غدراً على مدى عشرة أعوام، وبفتاوى النفير العام وكل أشكال الجهاد التي لم يخلُ منها حتى جهاد النكاح؟! وهل يعرف أصلاً مفهوم الجهاد الكفائي ومدلولاته وأسسه الفقهية وشروطه الشرعية؟!نعم إنها الأحقاد الدفينة التي تعمي العيون وتميت القلوب وتشل الوجدان، ما دامت أسلحة السنّة توجه إلى صدور الشيعة، وما دامت أسلحة الشيعة تصوّب باتجاه السنّة، في شوق مريض إلى أي انتصار وإن كان طرفه الإرهابيين وأكلة لحوم البشر، وإلا أين غيرة هذا الكاتب على توعّد "الدواعش" بالصوت والصورة وسط التهليل والاحتفال بنحر رقبة ولي نعمته وملك بلاده وسبي ملكته، ناهيك عن الفتك والتشريد بحق أبناء مذهبه في الشام وتكريت والموصل قبل الشيعة ومعهم وبعدهم؟!إننا نعيش في أجواء ليست مشحونة فحسب، بل ممهدة وجاهزة لكل أنواع الانتقام الشرس والتلذذ بالقتل باسم الطائفية ليس في الشام والعراق فقط، بل على امتداد لبنان والأردن والسعودية والكويت، تماماً مثل ما جرى على أفغانستان والباكستان والشيشان خلال العشرين سنة الماضية، وبدلاً من مخافة الله في أنفسنا وأبنائنا عبر إطلاق الفكر التوافقي والكلمة الطيبة والنموذج العاقل للحوار بين الناس، يتعمد البعض صب الزيت على النار المشتعلة، ويتباهى باختلاق الفتن والأحقاد في مسعى مريب فقط لركوب الموجة.إن مواجهة التطرف أو تحجيم مغازلة التطرف والإرهاب قد يكونان ضرباً من المستحيل في الفضاء غير المحدود من عالم العنكبوت الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي، ولكن على الأقل لا نجعل من صحافتنا مرتعاً لأقلام تحتها شياطين!