قد تكون النتيجة المباشرة لإقدام خمسة نواب على تقديم استقالاتهم من مجلس الصوت الواحد هي تحريك المياه الراكدة داخل مشهد برلماني متجمد عند نهايات معلومة ومحتومة وحرارة لا تزيد عن السؤال البرلماني!!! وكذلك ما سيترتب على تلك الاستقالات من إجراء انتخابات تكميلية لشغل المقاعد الفارغة.

Ad

ما أراه في الاستقالة الخماسية هو إعلان فشل مزدوج لمشروعين لم يتمكنا من الصمود لفترة أطول، الأول هو رجاحة نظام الصوت الواحد الانتخابي، والثاني هو نظرية الإصلاح من الداخل للبرلمان، فسقوط المشروعين المدوي لم يأت بالحرف والكلمة بل بالفعل وإعلان الطلاق البائن، ليس من الحياة البرلمانية فقط بل السياسية بأكملها، والكلام هنا يخص النائب علي الراشد كونه أحد كبار الداعين للصوت الواحد، وهو إن لم يعلن صراحة مناهضته لذلك النظام فإن قرار اعتزاله الحياة السياسية للملعب البرلماني الذي ساهم بحماس في تصميمه أبلغ من ألف كلمة وأوقع من ألف خطاب.

المشروع الثاني وهو الإصلاح من الداخل فقد تحمل عبئه "النفسي" النائب رياض العدساني، كونه أحد أعضاء كتلة الأغلبية المبطلة في المجلس المبطل الأول وأحد مقاطعي الانتخابات في المجلس المبطل الثاني، وقد حاول العدساني بكل جهد وتفان إثبات أن العمل تحت قبة البرلمان أفضل من الصراخ خارجه في الندوات وساحة الإرادة، وما تبين له في النهاية هو أن مستوى تفعيل الأدوات الرقابية في مجلس الصوت الواحد مثبت عند السؤال البرلماني، وما يزيد عليه معرض للشطب الفوري والانتقال إلى البند التالي.

نظام الصوت الواحد في حقيقته لم يظهر سوى لتحقيق فائدتين لا ثالث لهما، الإبعاد الفوري للمعارضين المشاغبين من ذوي الشعبية الواسعة، وخلق برلمان جديد بمواصفات خليجية دون الحاجة إلى تنقيح الدستور تتمتع فيه السلطة التنفيذية بالمزيد من القوة والضمانات من المحاسبة، مع أفضلية تغيير النظام الانتخابي بصورة منفردة، ولمن لا يريد أن يصدق ما سبق عليه فقط أن يتمعن في الواقع الانتخابي والسياسي الذي كرسه نظام الصوت الواحد، فمن تغلب طغيان الأغلبيات العائلية إلى تغلب الأقليات العائلية، هذا نفس ذاك وذاك نفس هذا، مع زيادة في التفكك على المستوى الوطني وتنامي النعرات الالتفافية داخل الأجزاء وأجزاء الأجزاء.

وضع كهذا الوضع أوصل وسيوصل من هو مستعد للقتال و"المطارح" في سبيل إبقاء الوضع على ما هو عليه بقوة الدفع النيابي، ودون أن تبذل الحكومة أي جهد سوى التهديد باستعمال "زر الإلغاء" وقت الحاجة، والباقي سيتكفل به ممثلو عائلاتهم وقبائلهم وطوائفهم وأبناء "فريجهم".

في الختام، وضع كهذا لم يتحمله من دعا إليه أو من حاول تصليحه "بالكاوية واللاوية" لن يكتب له النجاح أو الاستمرار، ليس لدينا بلورة سحرية أو نقرأ الطالع، فكل ما نعرفه هو أن البدايات السيئة تفضي إلى نهايات سيئة، فمن يتعظ؟