مرّت سنوات كان الإرهاب فيها معروفاً بالسلوك والفكر، التفجير والتنظير، ومن ثم تحديد الخطاب والهدف. تجدد الإرهاب تبعاً للموجات التي خاضها والمعارك التي باشرها، منذ الأفغان العرب وصولاً إلى تأسيس "القاعدة"، والآن ينتج الفصيل الأخطر، تنظيم دولة العراق والشام (داعش)، وهو تنظيم كارثي خطير، لأنه يعتمد على الفوضى الشاملة والاستباحة المطلقة، لا شيء يردعه.

Ad

 لم يعد "القاعدة" منافساً لـ"داعش"، بل تجاوزه الأخير بالقوة والسلاح والمال، إذ يستنزف من النظامين السوري والعراقي أموالاً و"غنائم" يعيش عليها. ولدى "داعش" قدرة على التجني بدليل أن العشرات من الخليجيين يُقتلون أسبوعياً، يُعلن قتلهم عبر معرفاتٍ في "تويتر" من القاتلين هناك، فالأزمة أعمق مما نتخيل!

الإرهاب له طفرات ويتحول ويتغير ويتجدد ما لم يضرب الفكر، ووزير الداخلية السعودية الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز ممن حذّروا من هذه التنظيمات بالعراق منذ وقت مبكر، كان يتحدث عن خطورة هذه التنظيمات على السعودية منذ عام 2007، حين بلغت الأصولية ذروتها والإرهاب قمته. الحديث عن "داعش" بالعراق يجب أن يكون واضحاً، هذا التنظيم له مآربه ومخططاته ضد السعودية وضد الخليج، ولا نستبعد أن يتم ترحيل بعضهم إلى هذه الدول في ظل التغاضي والدعم الذي يلقاه التنظيم من دولٍ إقليمية.

 سألني صديق عن التفريق بين "داعش" العراق، و"داعش" سورية، فقلت له: "كلاهما يغرفان من بحر تطرفٍ ووحشية واحد، والمنتمون إلى داعش يرون دولنا في الخليج دولاً كافرة وغير شرعية، ولو تمكنوا لنقلوا حربهم إلى بلادنا".

أن تضخم عدوَّك خير لك من أن تحتقره ثم ينقض عليك، هذه الصيغة الداعشية ليست ذات مشروعٍ محدد، ولا تريد أن تقاتل الأميركان والصليبيين "خطاب القاعدة الأول"، ولا أن تضرب هذه الحكومة أو تلك، بل شعارهم "الزحف الدائم" إلى كل مكان، أياً كان هذا المكان، هم في دوران مستمر وسيرٍ طويل لا هدف لديهم إلا تحقيق حلم "الدولة الإسلامية" وهي دولة العراق والشام.

ولو تصفحنا الذين كان لهم مواقف ضد هذا التنظيم من "الدعاة" لوجدناهم أندر من النادر، لأن التماهي بين التنظيم الإخواني والداعشي ليس سراً، فالجوامع كثيرة منها: تنفيذ الحاكمية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وسحق الطغاة من وجهة نظرهم، وغزو المستعمر الأحمر كما هو المستعمر الأسمر، يضربون من دون تأملٍ أو فحص أو تحليل، القتل غاية لا وسيلة، هذا هو تنظيم داعش.

إنها الفوضى العارمة التي يمكن أن تنجرّ، وأتمنى على دول الخليج التحفز الأقصى والتحصين الأعلى والبدء ببرامج أمنية مكثفة والتركيز على الحدود لئلا تخترق هذه الدول، حينها ننتصر على التنظيم الداعشي كما انتصرنا على التنظيم القاعدي، وأتمنى أن لا نُلدغ من ذات الجُحر مرتين.