هل يمكن للفقاعة أن تحدث لمرتين؟ في أواخر سنة 2009 بدأ القلق ينتاب العالم إزاء حدوث فقاعة عقارية في الصين برزت بجلاء في منغوليا، وفي ربيع سنة 2010 أعلنت حكومة بكين قيوداً تهدف إلى الحد من تعدد شراء المنازل وقروض الرهن العقاري في البلاد، ففي فصل الربيع من السنة التالية هبطت أسعار المنازل في تسع مدن كبرى، بحسب مؤشر ميداني يحظى بمتابعة واسعة، وفي شهر يونيو من سنة 2011 كتبت صحيفة وول ستريت جورنال تقول "قد تكون فقاعة العقارات الكبرى انفجرت في الصين".

Ad

وخلال الأسبوع الماضي قالت الصحيفة الأميركية ذاتها إن "ثمة أدلة مؤكدة على انتهاء طفرة العقارات الصينية" مع ملاحظة أن التوقعات كانت تشير منذ سنوات إلى احتمال انهيار في الأسعار.

طبيعة الفقاعات

تستمر الفقاعات في أغلب الأحيان لفترات أطول من المتوقع، وكانت مجلة الإيكونوميست حذرت من حدوث فقاعات في شبكة الإنترنت والمنازل في الولايات المتحدة قبل سنوات عديدة من وقوعها، ولكن الشيء غير العادي في مسألة الفقاعة الصينية ليس استمرارها وتواصلها بل مراوغتها وتلونها، ويبدو أنها تنفجر الآن للمرة الثانية. صحيح أن أسعار العقارات وصلت الى ذروتها في سنة 2011– كما أشارت صحيفة وول ستريت جورنال– لكنها عاودت الارتفاع من جديد في السنة التالية.

ولا تزال الأسعار في ارتفاع في 69 مدينة من أصل 70 بحسب الإحصاءات الرسمية ما عدا مدينة وينغو في إقليم زهيجانغ، ولكن مبيعات الشقق السكنية هبطت بنسبة 5 في المئة خلال أول شهرين من هذه السنة مقارنة بمعدلات سنة خلت، كما أن أرقام إحصاءات أخرى ترسم صورة أكثر قتامة، كما يشير بنك نومورا الذي يعتقد أن الميدان العقاري يشكل في الوقت الراهن خطراً منهجياً منظماً على الوضع الاقتصادي في الصين.

ويحسب بنك نومورا– بين مصادر أخرى– أن قيمة المساكن التي بيعت في شتى أنحاء البلاد بلغت 599 مليار يوان (96 مليار دولار) خلال أول شهرين من سنة 2014، وبمعدل وصل إلى 94 متراً مربعاً للوحدة، ويشير ذلك الرقم إلى أن سعر المتر المربع الواحد بلغ حوالي 6400 يوان، ومن خلال هذا المقياس (المتقلب) هبطت الأسعار بنسبة 3.8 في المئة مقارنة مع سنة خلت، وهي حالة لم تحدث منذ شهر فبراير 2012.

حصيلة طبيعية

يشكل هذا الهبوط في الأسعار نتيجة طبيعية للوتيرة العالية في بناء المنازل في الصين التي تتمتع اليوم بمساحة سكانية للفرد تقارب ما تمتعت بها إيطاليا في سنة 2009، وذلك بحسب توقعات بنك نومورا. وتعتقد "جي كي دراغونوميكس" وهي شركة استشارية أن الصين في حاجة إلى بناء ما يقارب 10 ملايين منزل في السنة من أجل مواكبة الحجم المتنامي وتطلعات سكان المناطق الحضرية، حتى سنة 2011 كانت معدلات بناء المساكن السنوية في الصين أقل من ذلك الرقم، وفي سنة 2012 تمكنت من تجاوزه.

وفي معظم الدول كان ذلك الوضع سيعتبر ظاهرة جيدة وصحية، كما أن التوسع السريع في مخزون المساكن يعني تحقيق المزيد من الراحة بالنسبة إلى سكان المناطق الحضرية، وعلى أي حال اعتبرت تلك الوتيرة السريعة في بناء المنازل خطراً اقتصادياً، وليس انتصاراً، ويتمثل أحد المخاوف من أن المطورين العقاريين يقومون ببناء منازل للأشخاص الخطأ في المكان الخطأ. وبدلاً من استيعاب الجماهير المزدحمة في المناطق الحضرية يظل الكثير من المساكن شاغراً، وتعمل تلك المنازل على شكل أرصدة لأشخاص يعزفون عن إيداع أموالهم في البنوك وليست لديهم ثقة بأسواق الأسهم، أما الخوف الآخر فيتمثل بأن الهبوط الحاد في عملية بناء المنازل قد يدفع الصين الى تحويل قوة العمل ورأس المال بسرعة كافية من أجل تفادي حدوث تباطؤ مفاجئ في الاقتصاد بصورة إجمالية.

تبديد المخاوف

ولكن يتعين على الخوف الأول أن يبدد الثاني، وانتعاش حركة البناء في الصين ترك بعض أجزاء البلاد تتمتع بمساحات واسعة، وترك القليل جداً لأجزاء أخرى، ولا يزال حوالي نصف عدد العمال المهاجرين يعيشون في مهاجع أو في مواقع العمل، وحيث توجد تخمة في عدد المنازل سوف تهبط الأسعار مما يعني إلحاق خسائر بأصحابها، أما حيث تقل نسبة البناء فتوجد فرصة للقيام بمزيد من أعمال التشييد من أجل ردم الفجوة. وعلى سبيل المثال قالت حكومة بكين إنها سوف تنفق أكثر من تريليون يوان في هذه السنة على تحديث قطاع السكن، ومن شأن ذلك أن يساعد على استمرار النشاط العمراني في البلاد.

سوف تكون عملية إعادة تخطيط الصناعة مؤلمة وصعبة بالنسبة إلى المطورين العقاريين المحليين الذين لا يستطيعون تنويع أنشطتهم في مناطق متعددة، كما أن الشركات الصغيرة عانت بصورة غير متناسبة من جهود الحكومة الصينية الرامية الى الحد من عمليات إقراض البنوك لهذا القطاع. ونظرا لحرمانها من القروض المصرفية اضطرت تلك الشركات الى اللجوء الى الاقتراض من جهات أخرى وبنسب مجحفة. ومضت بعض الشركات إلى ما هو أبعد من ذلك، وتشير تقارير محلية الى أن أحد أكبر مساهمي شركة "زيجانغ زينغرن" العقارية تعرض للاعتقال بتهمة "جمع أموال بصورة غير مشروعة". وتعاني تلك الشركة مشكلة بسبب ديون تصل الى 3.5 مليارات يوان (565 مليون دولار) يبدو أنها غير قادرة على تسديدها، وقد لا تكون تلك أول عملية تخلف عن السداد في الصين ولكنها واحدة من أكبر الحالات.