إلى متى هذا الحال؟
الهيئة العامة للزراعة التي تحمل على كتفيها العريضين همّ الأمن الغذائي للدولة بتوفير مزارع القمح المنافسة للمقاطعات الكندية والأميركية في منطقة الوفرة مصنع الذباب الدولي، مثلما تكفلت بتوفير اللحوم وتصديرها من مزارع كبد، تقول، في ردها على اتهامات ضدها بالواسطة والمحاباة لدوائر المقربين والمتنفذين و"عجافة" النظام بتخصيص 396 قسيمة زراعية لشركات مملوكة لبشر (لا تعرفهم طبعاً!) إنها أجرت التوزيع حسب القانون، (وما أسهل ترديد كلمتَي حسب القانون في ثقافة الفساد الرسمية) وإن التوزيع تم بالقرعة عبر المشاركين أنفسهم!لا يهم هذا مادامت لدينا قناعة مؤكدة بأن نظام القرعة المحايد في التوزيع يعني تحقيق المثل الشعبي بأن نترك "القرعة ترعى"، ففي النهاية لا جدوى من مثل تلك المنازعة والجدل في نهج المحسوبيات وشراء الولاءات السياسية، الذي هو عقيدة السلطة ونهجها السياسي في إدارة الدولة وتدمير مستقبل الأجيال القادمة.
ليس من المقبول التحجج الرسمي بأن الموضوع أمام القضاء حين قام أحد المتضررين من "عدالة توزيع القسائم" برفع دعاوى ببطلان التوزيع؛ إذ لم تكن، في يوم ما، نصوص القانون، ولا حركة تلك النصوص أمام المحاكم مجدية لغلق صنابير المحسوبيات وتوزيع الكعك على المقربين والمؤلفة قلوبهم، فعبء إثبات الانحراف بالسلطة وإقامة الدليل على فساد جهاز إداريٍّ ما ليس بالأمر السهل أمام واقع هيمنة الإدارة البيروقراطية على الجهاز الإداري للدولة كلها، ومعرفة ترزية القانون فيها أفضل السبل لتضليل العدالة وإخفاء أدلة الفساد عبر غطاء كثيف من النصوص القانونية واللوائح والقرارات ومن خلالها.على الوجه الآخر للعملة أيضاً، لم يكن تشكيل لجان التحقيق، على نحو ما يحدث الآن في توزيع مزارع الوفرة مجدياً؛ للأمر السابق ذاته، وهو توغل جذور دولة الفساد إلى أعمق أعماق التربة الكويتية، وأحاول، الآن، أن أتذكر أثراً حقيقياً للجنة يتيمة من عشرات ومئات لجان التحقيق في مسلسلات تجاوزات السلطة والفساد في الأجهزة الإدارية التابعة، فلا أتذكر حتى لجنة واحدة، حققت شيئاً على أرض الواقع، من لجنة تقصي الحقائق في الاحتلال، إلى لجان هاليبرتون ومناقصات ومزايدات وزارة الدفاع في النصف الأول للتسعينيات ثم محطة مشرف ثم الإيداعات المليونية، حتى هذه الأيام ولجان (إن كان هناك أي لجان) عن استاد جابر ومستشفيات الوهم... إلخ، أصابني السأم من حكايات ألف ليلة وليلة عن لجان التحقيق وقضايا حفظ التحقيق، ونتائجها المنسية التي ليست بذات جدوى، ففي آخر الأمر لسنا اليوم بصدد تهم محاباة في توزيع قسائم على حفنة بشر من مقدمي خدمات سابقة لكبار جداً في السلطة، فهذا غيض من فيض، قضية هذا الوطن هي البحث عن إجابة سؤال: إلى متى يستمر هذا الحال؟