يأتي عرض الفيلم الفلسطيني «عمر» في حفلة افتتاح الدورة العاشرة ل «مهرجان دبي السينمائي الدولي» (6 - 14 ديسمبر 2013) بمثابة دعم للسينما الفلسطينية، وتكريس واضح للهوية العربية للمهرجان، مثلما يعكس نوعاً من الاحتفاء بالسينما العربية والسينما العالمية معاً، ومن ثم يُترجم، بشكل عملي، شعار {ملتقى الثقافات والإبداعات}، الذي رفعه منذ انطلاقه عام 2004. فالمهرجان، الذي تحول إلى منصة مهمة لعرض أحدث الإنتاجات السينمائية في العالم، نجح في استقطاب كبار مخرجي العالم، فضلاً عن دوره الكبير في دعم صانعي الأفلام العرب، وانفراده بعرض مجموعة مُختارة من أفلام مخرجين كبار، وشباب صاعدين، تتميز بحرفيتها العالية وسردها المبتكر، وهو المعنى الذي يتأكد مع انطلاق دورة هذا العام التي ترفع شعار {10 أعوام من الشغف}.

Ad

تنفرد الدورة بعرض ما يقرب من 174 فيلماً روائياً وقصيراً ووثائقياً، من بينها 70 عرضاً عالمياً أول، و11 عرضاً دولياً أول، تمثل 57 دولة ناطقة بـ 43 لغة، يأتي على رأسها فيلم {عمر} خامس أفلام المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، الذي يعود للتواجد على خارطة المهرجان بعد سنوات من مشاركته في الدورة الثانية للمهرجان بفيلم {الجنة الآن} (2005)، الذي نال جائزة {الغولدن غلوب} لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية.

حصل فيلم الافتتاح {عمر} على جائزة لجنة تحكيم مسابقة {نظرة خاصة} في مهرجان {كان} 2013، ومرشح لأوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية في مسابقة عام 2014، ومن المنتظر أن يثير جدلاً كبيراً بعد عرضه في {دبي}، أسوة بالأفلام التي ينتقيها المهرجان، ولا ينتهي أثرها بمجرد الانتهاء من عرضها، بل تفجر مناقشات ساخنة تستمر لأيام ولأشهر، مثلما حدث في أعقاب عرض فيلم {الصدمة} للمخرج اللبناني زياد دويري في برنامج «ليالٍ عربية» في الدورة التاسعة للمهرجان؛ حيث تباينت ردود الأفعال، بين مؤيد وغاضب، تجاه الفيلم المأخوذ عن رواية كتبها «ياسمينة خضراء» (الاسم المستعار للكاتب الجزائري محمد مولسهول) وتدور أحداثه حول جراح إسرائيلي من أصل عربي تنتابه صدمة بمجرد علمه أن زوجته اختارت عشية الحفلة التي أقامتها الدوائر الإسرائيلية لتكريمه، بعد منحه جائزة علمية رفيعة، كموعد لتنفيذ عمليتها الفدائية التي أودت بضحايا إسرائيليين من بينهم أطفال!

في ظني أن هذا ما سيحدث أيضاً عقب عرض فيلم «عمر» في افتتاح الدورة العاشرة؛ فالفيلم يرصد حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في ظل جدار الفصل الإسرائيلي، من خلال الخباز «عُمَر» الذي يعشق الفتاة الفلسطينية «ناديا»، التي تسكن الجانب الآخر من الجدار العازل، ويعمل جاهداً في كل مرة يتسلق فيها الجدار لرؤيتها على تجنب طلقات رصاص جنود الاحتلال. لكن الجدل ستفجره مشاهد ما بعد اعتقال «عُمَر»؛ في أعقاب هجوم أودى بحياة جندي في الجيش الإسرائيلي؛ حيث يتعرض «عمر» للتعذيب والمهانة والإذلال، ومن خلال هذه المشاهد يُمرر المخرج فكرة الفيلم الذي قال، في حوار صحافي، إنه استوحاها من واقعة رواها له صديق؛ إذ استغلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سراً كانت تعرفه عنه، وسعت إلى إجباره على التعاون معها، وإلا أفشت سره وتسببت بفضيحة له ولأهله بين معارفه وأصدقائه. لكن الشاب اتخذ قراراً بألا يكون «متعاوناً مع العدو»، وهو ما حدث مع «عُمَر» الذي مارست قوات الاحتلال ضده ضغوطات نفسية وبدنية، وخيرته بين البقاء في السجن طوال حياته أو يُصبح عميلاً، ويخون رفاقه. لكن المخرج انحاز إلى الجانب القائل إن الفلسطيني ليس خائناَ لبلده، ولا يعرف العمالة أو التواطُؤ لحساب المحتل ضد أبناء وطنه، منوهاً إلى أن ثمة مؤامرة تُحاك بدقة للإيقاع بين أبناء الشعب الفلسطيني، وزرع بذور الشك بين بعضهم البعض، غير أنه اختتم أحداث فيلمه بنهاية ستكون سبباً في جدل لا ينتهي!

فيلم آخر سيعرضه «مهرجان دبي السينمائي الدولي» في دورته العاشرة بعنوان {اسمي مصطفى خميس}، لكنه سيفجر جدلاً بين المصريين فقط، كون مخرجه محمد كامل القليوبي اختار النبش في ملف يكتنفه الغموض، وواقعة أليمة على النفوس، أوقف خلالها عمال أحد المصانع في مدينة كفر الدوار (شمال مصر) الآلات، وإعلان الإضراب، فما كان من قوات الأمن سوى أن حاصرتهم واعتقلت بعضهم وأصدرت محكمة عسكرية حكمها على العامل محمد مصطفى خميس وزميله محمد عبد الرحمن البقري بالإعدام شنقاً، وعلى العشرات بالأشغال الشاقة المؤبدة والموقتة. واختار المخرج القليوبي الواقعة موضوعاً لفيلمه الوثائقي، وهو يُدرك أنه سيفتح على نفسه أبواب الجحيم!