في ذكرى ميلاد عبدالناصر
رغم غيابه ومضي سنوات على وفاته قائماً منتصباً ينافس "أبوالهول" رافعا رأسه، ورغم محاولات من جاء بعده في أن يقلل من قيمة ما أنجز من أجل شعب مصر والأمة العربية والإفريقية، ورغم محاولات أعدائه مهاجمته بكل الطرق والسبل كي تفتر عزيمته ويخضع لابتزازاتهم، وهو في أشد الحاجة لمد الأيدي من أي جهة، في حين تمر مصر بأصعب مراحل التحول من التبعية إلى الاستقلال، فإن هذا الزعيم لم يرضخ ولم يخضع، وقاد مصر والأمة العربية من خليجها إلى محيطها بكرامة القائد الذي بنى آماله على الفرد والإنسان المصري ابن الأرض التي أنجبته، والإنسان العربي الذي ينتمي إليه.ليست هذه مقدمة نستدر فيها عطف القارئ كي يبقى مشدوداً لما تبقى من قول في حق الرجل، إنما هي حق علينا ووفاء له، ولأننا عشنا فترة حكمه وترعرعنا على شعارات الحب للوطن كله من شرقه إلى غربه، ولأننا تمتعنا بخيرات فترة حكمه وتعلمنا في المدارس والجامعات بالمجان، فإنه حق علينا أن نقول له شكراً لك أنت ومن كان معك من الرجال الأحرار.
وأن نقول له رحمك الله، فقد كنت رجلاً في زمن كان دعاة الوطنية يباعون في أسواق العمالة ليشتروا منصبا وكرسياً ما دام لهم إلا فترة، رحلوا بعدها ومعهم عار مواقفهم وتخاذلهم.يحتفل الشعب العربي كله اليوم بذكرى ميلاد "جمال عبدالناصر 16 يناير 1918"، أي بمرور 96 عاما على ميلاده، ولعلها المصادفة الربانية أن يتوافق هذا اليوم للاحتفال بذكرى مولده مع يوم الاستفتاء على الدستور المصري الجديد، وفألها الحسن لما للرجل من محبة في قلوب أبناء مصر والأمة العربية.والصور تتكرر في الأزمنة، فهناك من يتخذ موقفاً معارضاً لما يجري الآن في مصر، وهناك من يؤيد! وهذا أمر طبيعي في فترات التغيير الجذرية والثورات الحقيقية، فتظهر علامات التغيير من خلال المواقف. والحال أن مصر تمر بتغيير في معنى الديمقراطية وتطبيقها، فلا بد من أن نرى الصورة تتشكل ومن زوايا متعددة، وهي تلتقي وتتعارض، وهذا هو جوهر ما يحدث هذه الأيام، إذ إن الاستقرار سيكون النتيجة الحتمية لهذا المخاض الذي يمكن وصفه بـ"العسير" لأن فيه الكثير مما يخيف، ومما سيترتب عليه من نتائج لن تكون حميدة إن خرجت الأمور عن السيطرة، وهذا ما لم نرَ له ملامح، إذ إن تماسك "أغلبية الشعب المصري واتقافها على ما يجري" سيكون طوق النجاة من كيد الكائدين في الداخل والخارج.في ذكرى ميلاد ملهم الأمة وصانع تاريخها الحديث لا بد من القول: لا يصح إلا الصحيح!واليوم عادت إنجازات ثورة 23 يوليو 1952 تتصدر ذاكرة أبناء الشعب المصري والشعب العربي، ونحن نقترب من ذكرى أخرى هامة وعلامة في التاريخ العربي الحديث، وهي ذكرى "الوحدة العربية بين مصر وسورية" التي نتج عنها "الجمهورية العربية المتحدة في 22 فبراير 1958"، التي تصادف يوم 22 فبراير القادم.على الأمة أن تعيد قراءة تاريخها ومنجزاتها الكبيرة وتعمل على عودة السلام والأمان إلى كل بلد عربي مزقته الحروب والاختلافات والانقسامات، فما عاد الشعب يتحمل المزيد من الأوجاع والضربات، وإلا فلن تقوم للأمة قائمة مادام الخلاف والاختلاف من صنع أبنائها وبرضا أعدائها!* كاتب فلسطيني من كندا