رحب الخليجيون بانفتاح إيران على العالم وعلى دول مجلس التعاون الخليجي، وتضمن البيان الختامي للقمة الخليجية في الكويت ديسمبر 2013 الترحيب بالاتفاق التمهيدي الذي وقعته مجموعة (5+1) مع إيران في جنيف، وسادت أجواء إيجابية بين دول الخليج وإيران، تخللتها زيارات متبادلة لمسؤولين خليجيين وإيرانيين، وأعلن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف أن بلاده تعطي أهمية فائقة للعلاقات مع جيرانها، مؤكداً سعيه إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية الإيرانية، وصرح بأن "أمن دول المنطقة من أمننا، ولن نخطو أي خطوة على حساب جيراننا"، وقام بجولة خليجية لتعزيز علاقات بلاده بدول الخليج، وفي قطر صرح الوزير بأن "ما يوحدنا أكثر بكثير من خلافاتنا البسيطة"، مشدداً على أن "مستقبلاً مشتركاً يجمع دول المنطقة".

Ad

 والمدهش أن ظريف صرح لـ"بي بي سي" بأن "التوتر الطائفي هو أخطر تهديد أمني ليس للمنطقة فحسب إنما للعالم بالكامل"، وقد أفرزت هذه الأجواء وأثمرت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لسلطنة عمان التي تربطها بإيران علاقات خاصة، لتوطيد العلاقات والارتقاء بها إلى مرحلة جديدة تشمل بناء سكك حديدية ومد أنابيب لنقل الغاز والمزيد من الاستثمارات الإيرانية.

 وكان لافتاً ما صرح به الرئيس الإيراني في ختام زيارته، من أن بلاده تمد يد الصداقة إلى جميع دول المنطقة، لتحقيق الاستقرار والسلام والوئام والمودة والصداقة، مؤكداً أن إيران بيئة آمنة للاستثمار، وداعياً المستثمرين الخليجيين للاستثمار في إيران، باعتباره أفضل أداة للدفاع عن بلداننا، لأن "الأسلحة العسكرية لن تحقق الأمن لنا"، ومشدداً على ضرورة التقارب بين شعوب المنطقة فكرياً وثقافياً، ومن جانبه قال وزير الخارجية ظريف: رسالتنا هي رسالة ود وأخوة وتعاون إلى دول الخليج، وأن "العلاقات العمانية الإيرانية يمكن أن تكون مثالاً للدول الأخرى في المنطقة".

 هذه الخطوات الإيجابية وتلك التصريحات الودية، كانت محل تقدير وارتياح الخليجيين الذين باركوا التوجه الجديد لقيادة الرئيس روحاني، وخاصة أن الخليجيين رفضوا من قبل أي عدوان على إيران بسبب برنامجها النووي، وطالبوا القوى الكبرى بتغليب لغة الحوار والدبلوماسية على لغة التهديد والتصعيد... الآن لكي ينجح الحوار الخليجي الإيراني ويؤتي ثماره، فإن على الجانبين بذل جهود مشتركة تساهم في التقارب المنشود بين ضفتي الخليج:

أولاً: على الخليجيين ألا يكتفوا بالعلاقات الرسمية والاقتصادية، بل عليهم أن ينفتحوا على الشعب الإيراني: ثقافياً وإعلامياً وأكاديمياً وسياحياً، بهدف كسب الشعب الإيراني، كما أن عليهم تشجيع الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين لزيارة طهران للالتقاء بنظرائهم في لقاءات حوارية متبادلة، وأذكر أن قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت نظم مؤخراً مؤتمراً بعنوان "التحديات والتحولات أمام دولة الكويت ومنطقة الخليج في العقد الحالي 2013 – 2020"، وبرزت أصوات تطالب بالانقتاح على إيران والتعرف عليها، في إثره كتبت مقالاً بعنوان "اعرف جارتك المسلمة إيران" 2/12/2013 قلت فيه: "الخليجيون لا يعرفون إيران كما تعرفهم إيران، لا يعرفون ثقافاتها ولا لغتها ولا يترجمون إنتاج كتّابها ومفكريها ولا يتواصلون مع مثقفيها وسياسييها وأحزابها وأطيافها السياسية والمذهبية، يفتقدون المراكز البحثية المتخصصة في الشأن الإيراني، يعقدون ندوات ومؤتمرات ولا يدعون كتاباً وسياسيين إيرانيين، حتى المطبوعات والصحف الإيرانية لا تكاد تدخل الساحة الخليجية، في المقابل لدى إيران العشرات من المراكز المتخصصة في الشأن الخليجي والتي يستعين بآرائها صانع القرار السياسي الإيراني، وتقوم هذه المراكز بترجمة العديد من الإنتاج الفكري العربي، وهم يعرفون الكتّاب الخليجيين بينما نحن لا نعرف الكتاب الإيرانيين إلا قليلاً، يبعثون سفراء ودبلوماسيين يجيدون العربية إلى الخليج ونحن لا نفعل مثلهم، فلا نحرص على دراسة اللغة الفارسية ولا نرسل دبلوماسيين يجيدون الفارسية، ويعرفون الخارطة السياسية لإيران، الإيرانيون يعرفون أسلوب اتخاذ القرار السياسي في بلداننا، ونحن لا نعرف كيف يتخذ القرار عندهم، ومن هنا نجحت إيران في اختراق العمق الخليجي ولم ننجح نحن في اختراق العمق الإيراني".

ثانياً: على الجانب الإيراني، بناء الثقة والمصداقية في نفوس الخليجيين، فهما أهم من التصريحات الوردية، لأن العبرة في النهاية بالسلوك والتصرفات والسياسات، لن يقتنع الخليجييون بحصول تغير حقيقي في التوجهات الإيرانية تجاههم، وهم يرون ما يناقضها على أرض الواقع المعاش، وفي هذا السياق أطرح التساؤلات الآتية:

1- كيف يطمئن الخليجيون على مستقبل الخليج مع عزم إيران على بناء 10 محطات نووية على سواحل الخليج وبحر عمان، كل محطة تضم عدة مفاعلات نووية؟! صحيح أنها للطاقة الكهربائية، ولكن ما الضمانات لعدم التسرب النووي الكارثي إلى مياه الخليج، وبخاصة أن معظم هذه المحطات على خط الزلازل؟ وإذا كان الخليجيون ما زالوا قلقين من مفاعل (بوشهر) وهو واحد، فكيف بـ10 محطات؟! ثم ما حاجة إيران إلى إنتاج الكهرباء من مصادر خطرة وباهظة التكاليف، وعندها العشرات من مصادر الطاقة الرخيصة الآمنة: البترول، الغاز، السدود على الأنهار، الشمس، الرياح؟

2- الوزير ظريف يقول "جيراننا أولويتنا" هل تتفق هذه المقولة مع هذا الإنفاق الهائل على التسلح والذي تجاوزت ميزانيته الـ27 مليار دولار؟ ما الهدف من هذا الجيش البالغ 3 ملايين بين مجند ونظامي؟ الخليجيون ليسوا أهل عدوان، ولا يفكرون يوماً في المساس بحدود إيران، فلماذا كل هذا التسلح والجيش العرمرم؟!

3- الوزير ظريف يقول "التوتر الطائفي أخطر تهديد أمني للمنطقة"، هذا صحيح، ولكن من يغذي هذا التوتر، وبخاصة في البحرين؟!

4- ترفع القيادة الإيرانية، شعار "الصداقة والتعاون والمودة" ونحن معها في ذلك، ولكن كيف نفسر تدخلات إيران في الشأن الداخلي، الخليجي والعربي؟!

 * كاتب قطري