يتميز معرض آفشين بيرهاشيمي باحتوائه لوحات الفنان التقليدية باللونين الأبيض والأسود، مصوراً «نساء ايرانيات» بشكل مكثف تحت ستار صفات مختلفة، منها أن الإيرانية  امرأة فاتنة أو مغوية أو تائبة أو حتى كل ما يظهرها في نهاية المطاف أنها باحثة عن الخلاص والحرية.

Ad

الإغواء في أعمال بيرهاشيمي له خاصة هيتشكوكية (نسبة الى سينما هيتشكوك) إذا جاز التعبير، بل تكاد أعماله تكون ملصقات أفلام سينمائية مرعبة، أو قصائد عبثية غير مكتوبة، أو مشهدية روائية مستلة من رواية لفرانز كافكا المعروف بكابوسيته، خصوصا سواد النساء ونظرتهن إلى الأمور من حولهن، وحتى تلك الألوان القليلة التي تخترق بعض اللوحات، فيها بعض إشارات إغواء العنف والقوة كما لو أننا نعيش في الأحلام.

لا ضير في أن نقول إن أعمال الفنان الإيراني مرعبة، خصوصاً حين يحضر النسر رمز القوة والعنف بين الطيور، وحين يحضر السيف وما يحمل من دلالات وإشارات سلطوية وعنفية ومشهدية، وحتى نظرات النساء تقوم على التحدي والقوة والخطيئة والحرية.

جموح وتحد

لا يمكن لمشاهد أعمال آفشين بيرهاشيمي أن ينسى نظرات نسائه العنيفة والجامحة والمتحدية، ربما ركز الفنان على النظرات كي تبقى في الذاكرة، كأن ما هو جامع بين اللوحات ليس السواد والنساء فحسب، بل نظراتهن خصوصاً، ولا يمكن للمرء أن ينسى وجوده أمام حضور تلك الشخصية ذات الرداء الأسود التي تعكس حالة من التصدع والتفكك، وتظهر شخصيتها قوية أكثر من أي وقت مضى، اذ يختار بيرهاشيمي أن يصور في لوحاته نساء تعرضن للظلم والإجحاف الاجتماعي والسياسي.

في هذه السلسلة، تظهر النساء محجبات جزئياً، أو حتى مرتديات عباءات وسافرات الوجوه وأحيانا الشعر، ولكن، في الوقت نفسه، يظهرن معلنات حبهن للولايات المتحدة الأميركية، في إشارة من الفنان هنا إلى الانقسام في الهوية المحسوس بشكل يومي في إيران، وهذا ما تشتهر به المرأة الإيرانية في العصر الحديث، إذ تتماشى مع الغرب وموضته وعصريته، وفي الوقت نفسه ترتبط بشكل صميمي مع هويتها الأصلية من خلال اللباس والمرغوب الاجتماعي في المجال الأسري الذي فرضته الثورة الخمينية منذ أكثر من ثلاثة عقود.

رموز وتمزق

بين الرموز الغربية والرموز الإيرانية تتمزق التابوهات وتتشكل اللوحة التي تقول لغتها الخاصة، وتمارس غواياتها على العابر وعاشق الفن. الأرجح أننا أمام لعبة الفصام التي أفرزتها الحداثة بين إغواء الدين والغيب وإغواء الموضة والحرية، وبين هذه وتلك يكون التصدع والانقسام والغموض والضبابية... فغواية الدين لا تقلّ قوة عن غواية الغرب والموضة.

تظهر أعمال آفشين بيرهاشيمي التعقيدات التي تتخلل نمط الحياة المعاصرة في إيران، كذلك تظهر أعماله الفنية، سواء كانت على خلفيات ضئيلة أو حتى فارغة، وفي لوحاته أحادية اللون التي تحوي صوراً واقعية، إيماءة النساء نحو الخيال القوطي من خلال استكشاف القضايا الاجتماعية المعاصرة والهوية السياسية.

مشاعر تصاعدية

تتميز أعمال الفنان القماشية بتفاصيل غنية تتضمن مرجعيات تاريخية غربية وشرقية، وفي واحدة من تلك الأعمال الجديدة والمؤثرة، يحاول الفنان أن يغلف كل من التاريخ والجغرافيا عبر إدراج الاسطرلاب الإسلامي، في أشارة منه إلى منظر عالم النفس سيغموند فرويد والشاعر الصوفي جلال الدين الرومي الذي بات رمزاً في الأعمال الرواية والفنية والشعبية والسينمائية.

وجاء في بيان غاليري {أيام} أن الفنان يضع ضمن مشهد تنسيقي مهني مشاهديه في مواجهة طائفة من النساء اجتمعن سوية في محاولات لابتكار نظام عالمي جديد، فبعضهن يخفي هويته من خلال ارتداء أقنعة دالة على {الصراخ» أو أقنعة كرنفالية، بينما تستعرض أخريات ضربات السيوف. وتظهر قوة النساء بشكل متفاوت ومتسارع مقارنة بالذئاب التي تجول وراءها في خلفية اللوحة. هي لعبة الإغواء في مختلف مجالاتها بين المباشرة والأقنعة والدم والشهوانية والقتل والنظرات، كلها ملامح تجمع بين الفن والسينما، بين الكاميرا واللون، بين التورية والمباشرة، بين السواد ولغة السواد.

تجاوزت الكثافة المقترحة في أعمال بيرهاشيمي القماشية الجديدة أعماله السابقة أحادية اللون من حيث قدرتها على إفراز المشاعر التصاعدية، وعلى صعيد أعمق، فإن ادخال الألوان مثل الكستنائي والنحاسي متخللا شعر شخصياته الهالكة، وتضمين النسر باعتباره رمزاً للعنف، كل ذلك يضفي على الأعمال الشراسة والدم والشهوانية والعنفوان والقوة، وهذا يتناقض مع المرضية والهلال للون الأسود الذي عادة ما ترتديه النساء.