وصفة السلطان التقي
أفضل وصفة لحكام الاستبداد لإلهاء الشعوب عن قضايا البؤس التي تعانيها هي طرح ورقة الدين، أي العقيدة، في سوق المتاجرات السياسية، وعبر ذلك الإلهاء السياسي تصرف الشعوب عن واقعها وهمومها طالما أضحت قضيتها الكبرى الوضع في الآخرة وليس الهم الدنيوي المعيش من فقر وبؤس للشعوب وفساد يرتع فيه الحكام.سلطان بروناي، أحد أغنى أغنياء العالم، اكتشف، فجأة، سر ترياق تطبيق الشريعة الإسلامية في مملكته الصغيرة، فهذه السلطنة التي لا يتجاوز عدد سكانها 400 ألف نسمة تحيا في بحبوحة مالية بسبب قلة عدد السكان ووفرة الإنتاج النفطي والغاز الطبيعي، والدولة تتكفل بكل صغيرة وكبيرة للمواطن، فهي دولة "رفاهية" كاملة توفر للسكان العلاج الطبي والتعليم المجاني، وتعد معدلات الدخل الفردي فيها من أعلى المعدلات، إلا أنه في السنوات الأخيرة انخفض احتياطي تلك الدولة من الغاز والنفط إلى النصف، وتراجعت التنمية سلباً، عندها وجد السلطان مفتاح "الهداية" حين قاربت سنوات "بندروسا" على النهاية، وقرر تطبيق الحدود من قطع يد وجلد ورجم فجأة، فهذا الشرع كما يقول السلطان حسنال أمر الله وليس أمرنا، ونحن لا نملك مخالفته...! ولا يهم عند السلطان اعتراضات منظمات حقوق الإنسان طالما هو يطبق الشرع، لاغياً النظام القانوني السائد القائم على التراث الإنكليزي.
سلطان بروناي جهز "الدوا قبل الفلعة" بالمثل الكويتي، بمعنى أنه استعد مقدماً وتحوط قبل أن يقع الفأس بالرأس ويتحرك الشعب الصغير معترضاً على تدهور الوضع المعيشي، فربما يخرج من المعارضين، في تصور السلطان وفقهائه، قوى جهادية، هي بدورها تريد احتكار شعار تطبيق الشريعة وإقامة دولة إسلامية، فينبت على أرض السلطنة داعش "بروناويي" و"بوكو حرام" شرق آسيوي، فلماذا ينتظر السلطان الثوار المحتملين بجهلهم المطبق ووحشيتهم في زلزلة أركان حكمه؟ فليقطع عليهم الطريق، مرتدياً ثياب الواعظين المتقين.قبل هذا السلطان، كان لنا أكثر من سلطان تقي في صحراء العروبة، فجعفر النميري جرب، وقطع أيدي فقراء اتهموا بالسرقة، ربما سرقوا لأنهم جاعوا، لكن في النهاية ازيح النميري عن الحكم برجاحة عقل سوار الذهب، ثم كان لدينا "الرئيس المؤمن" أنور السادات، حين عدل من الدستور بجعل الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، وضرب القوميين واليساريين بعصا الإسلاميين، لكن مزايدة الرئيس المؤمن على العقيدة، لم تنجح وقضى نحبه برصاص خالد الإسلامبولي، فهل يتعظ سلطان بروناي ويتأمل قليلاً في حروبنا الدينية، فهي معارك من أجل السلطة والثروة لا غير، لا مكان فيها للاتقياء الورعين؟