افتتن فيصل سمرة بعملية الإبداع، فهي بالنسبة إليه «وسيلة للحياة في كل لحظة من النهار، وحتى أثناء النوم»، لذلك تعامل مع المادة في العمل الفني كجزئية قائمة بحد ذاتها. وقد بلغ سمرة في عملية الإبداع حدوداً جديدة، إذ اعتبر أن البناء بحد ذاته لا يكفي، بل يحتاج إلى تدمير وإعادة بناء في ما يتعلق بالشرق الأوسط.

Ad

غيرت اتفاقية سايكس بيكو (1916) مظهر الامبراطورية العثمانية في القرن العشرين، ووضعت حدوداً جديدة للعالم العربي وأنشأت دويلات جديدة، ولاحقاً نبهت الغزوات المتتابعة على العراق (2003) الفنان لبدء فترة زمنية جديدة تمثل الدمار في الشرق الأوسط، والسعي إلى إعادة رسم المنطقة.

نظرة ظالمة

من هنا، رسم فيصل سمرة لوحات تشير إلى النظرة الظالمة التي ابتكرها الغرب إلى العالم العربي، والمستندة على عملية إعادة بناء المنطقة من وجهة نظره، في محاولة لخلع السلطات المحلية السابقة وابتكار سلطات جديدة في المنطقة، في ما يسمى «شرق أوسط جديد»، لذلك، تلميح سمرة حول ماهية زعزعة السلطة من خلال التدمير، جعل السلطات نفسها عديمة الفائدة، وطرح فكره هذا في عمل فني يعرض حالات لاحقة وسابقة، فكتب نصاً عربياً صممه على كرسي، «صنع في العالم العربي» و{القوة الاقتصادية العالمية» للدلالة على حالة التدمير، ثم لمح إلى الفترة اللاحقة المتمثلة بإعادة البناء «صنع في العالم الغربي» و»القوة الاقتصادية العالمية» ثم ابتكر نصباً طينياً مقسماً عن عمد إلى أجزاء، وهو نقطة بداية عمل فني مؤلف من أربعة أجزاء، استهله منذ اندلاع ثورة الـ{بو عزيزي» في تونس عام (2010)، يستعير الفرويدية (نسبة الى عالم النفس سيمغوند فرويد) في استكشاف الـ «أنا» كعملية للبحث في مفهوم الكمال، باعتباره وحدة متماسكة، مقابل تأثيرات التجزئة والتقسيم في أي وحدة صغيرة. ويستند فيصل سمرة في طرحه إلى استحضار مفاهيم فلسفية وسياسية وفنية، اذ يستخدم مكونات جزئية وصلبة وحتى رقمية في عمل واحد، ليثبت أن عملية الكمال أصبحت مرتبطة بشكل وثيق مع عملية التدمير أو الفوضى.

كذلك يستكشف الفنان من خلال عمل مميز آخر ذي طابع شخصي مختلف، آلية البناء والتدمير والتعمير، يتمثل في لوحة ثلاثية توثق زوجته بعد اصابتها بسرطان الثدي، ويطرح فكرته عبر ثلاث مراحل: «زينة» وهو اسم زوجته، قبل المعالجة وخلالها وبعدها، باعتبار أن الجسد هو المثال الرئيس والشاهد على عملية الخلق الدائمة والتهلكة واستعادة العافية، لذلك يشبه سمرة آلية الجسم في دفاعه واستمراره أمام الأمراض، بالأرض التي نعيشها ونعمل فيها.

وفن فيصل سمرة يتغذى من مصادر متعددة شرقية وغربية، يحددها الفنان بقوله {أريد أن تتحلى مواضيعي بمداخل وطبقات متعددة، وأن تُقرأ بطريقة حارقة ومباشرة، ولكن أيضا بطريقة فلسفية وروحية}. وفي مكان آخر يقول {حقلنا البصري منتهَك باستمرار ومشبّع بالصور، إلا حين نذهب إلى الصحراء. ولكن حتى هناك، يمكن التشويش على الطبيعة. فيض الصور والأكاذيب يخنقني. وشخصياتي تتمرد على زمننا وتحاول صد الصور الإعلامية التي تتحكّم بها وتحجب رؤيتها}.