تفادت كندا أسوأ تداعيات الأزمة المالية العالمية، ولكنها ليست محصنة في وجه جهود اقتصادات متقدمة أخرى. وخلال نصف العقد الماضي أو ما يزيد، كان لقب أقوى اقتصاد في أميركا الشمالية من نصيب دولة واحدة هي كندا.

Ad

وبينما لاتزال الولايات المتحدة تعاني تأثيرات فقاعة عقارية ضخمة وتداعيات أزمة مالية لاحقة، عانى الاقتصاد الكندي ركودا قصيرا فقط (3 فصول من النمو السلبي في مقابل 4 فصول في الولايات المتحدة)، كما أنه حقق نمواً بوتيرة أسرع من تلك التي شهدتها الولايات المتحدة خلال ثلاث من أصل أربع سنوات خلت. وكانت كندا أول دولة في جمعية الـ7 الكبار في الاقتصادات الأكثر تقدماً في العالم التي استعادت الناتج المحلي الإجمالي الذي فقدته خلال فترة الركود.

وقد نسبت القوة النسبية للاقتصاد الكندي خلال وبعد الأزمة المالية العالمية الى حد كبير إلى الفارق في البنية بين النظامين الماليين في الولايات المتحدة وكندا. لدى كندا قطاع مصرفي عالي التركيز والتنظيم أتاح للمنظمين والمصرفيين قدرة أفضل على التحكم في الزيادة الخطيرة. وكان معنى اجتناب البنوك الكندية لأسوأ تداعيات الأزمة المالية العالمية القدرة على استمرار التدفقات المالية في أعقاب الركود الاقتصادي، ما أعطى ذلك البلد ميزة كبيرة بالنسبة الى نظرائه المتقدمين.

الاعتماد على النفط

اعتمد الاقتصاد الكندي على تصدير المواد الخام مثل النفط. ومثل دولة اخرى سريعة النمو ومتقدمة –أستراليا– استفاد نمو الاقتصاد الكندي من الطلب الشديد على المواد الخام من الدول الناشئة، مثل الصين، التي تحتاج الى الوقود لازدهارها المدفوع بالتصنيع.

ولكن هذه الميزة قد تتضاءل مع اظهار اقتصاد كندا الآن بعض من الخلل الذي ابتليت به نظيراتها من الدول المتقدمة في السنوات الأخيرة، مثل معدلات بطالة عالية، وقطاع تصنيع مرهق وشريحة مستهلكين عرضة لديون زائدة.

وفي الأسبوع الماضي أعلنت الحكومة الكندية أن اقتصادها خسر 9400 وظيفة في شهر يونيو، وأن معدل البطالة وصل الى 7.1 في المئة، وهو مسار يتعارض مع ما يحدث في الولايات المتحدة حيث كان نمو الوظائف أقوى في السنة الماضية من أي مرحلة في التعافي، وحيث استقر معدل البطالة عند 6.1 في المئة.

يقيس خبراء الإحصاء في الحكومة الكندية معدلات البطالة بصورة مختلفة عن طريقة قياسها في الولايات النتحدة، وعندما يطبقون الطريقة الأميركية يجدون أن معدل البطالة يبلغ 6.1 في المئة في البلدين، ولكن حقيقة أن الولايات المتحدة لحقت أخيراً بجارتها الشمالية مؤثرة عندما نعلم أن البطالة وصلت الى 10 في المئة في الولايات المتحدة في مقابل 8.7 في المئة في كندا خلال الأزمة.

قوة الاقتصاد الأميركي

ويوفر معدل الصرف مؤشراً آخر على قوة الاقتصاد الأميركي. وخلال معظم فترة التعافي كان الدولار الكندي أكثر قيمة من الدولار الأميركي تنوعياً، ولكن هذا المسار انعكس أيضاً في الآونة الأخيرة مع ارتفاع الدولار الأميركي فوق 1 في هذه السنة.

والسؤال هو ماذا يفسر هذا التحول في القوة الاقتصادية النسبية؟ أحد الأسباب أن قطاع تصدير الطاقة الكندي يستطيع دفع الاقتصاد الى هذا الحد فقط. وكما كتب آرون غامبل وهو اقتصادي في سكوتيا بنك في رسالة حديثة الى العملاء:

«ألبرتا هي مركز النشاط الاقتصادي، وهي تستفيد من الاستثمارات المستمرة في القطاع المتعلق بالطاقة واتساع الإنتاج، وقوة الهجرة ومكاسب الوظائف، والنشاط الشديد في مجال التجزئة والمساكن. ويتخلف معظم الأقاليم الأخرى بصورة بطيئة ما يعكس وتيرة بطء مستمرة في النمو في الولايات المتحدة وحول العالم، وتباطؤاً في وتيرة خلق الوظائف».

وفي غضون ذلك، فإن أي نمو يحققه الاقتصاد الكندي من المستهلك يأتي بقدر أكبر من زيادة الديون لا من أجور أعلى. ويدين المواطن الكندي العادي بـ1.63 دولار لكل دولار يكسبه، مقارنة مع 1 إلى 1 دين إلى نسبة الدخل في الولايات المتحدة.

وبينما عرقلت الأزمة المالية نمو دين المستهلك في الولايات المتحدة استمر المواطن الكندي في الاقتراض، وهو ما أفضى الى تباطؤ النمو خلال السنتين الماضيتين. وعلى الرغم من ميزة الثروة الضخمة على شكل موارد طبيعية لاتزال كندا عرضة لرياح عاتية تواجه معظم الدول المتقدمة. وبعيداً عن قطاع الطاقة، تكافح كندا لزيادة الأجور في وجه منافسة خارجية وهي، مثل الولايات المتحدة، تعول على نمو الديون لرفع مستويات المعيشة.