اعتبرت المحكمة الإدارية أن العقوبة التي أصدرها وزير التربية وزير التعليم العالي بفصل معلمة تسترت على زميلتها، التي قامت بفتح مظروف الاختبارات وتصويره وإرساله إلى عدد من الطلاب عبر «واتساب»، تتضمن المغالاة من قبل الوزارة، وقررت إلغاءها والاكتفاء بخفض درجتها الوظيفية.

Ad

قضت المحكمة الإدارية بإلغاء قرار وزير التربية فصل معلمة من إحدى المدارس بعد ثبوت إدانتها بالتستر على زميلتها التي قامت بفتح مغلف أوراق الاختبارات وتصويره بالهاتف النقال وإرساله عن طريق الواتساب إلى عدد من الطلبة، مضيفة ان «عقوبة الفصل التي اتخذها وزير التربية وزير التعليم العالي بحق المعلمة مغالى فيها، وقررت إلغاءها والاكتفاء بخفض درجتها الوظيفية».

وتتحصل وقائع القضية في الدعوى التي أقامتها المعلمة على القرار الذي أصدره وزير التربية وزير التعليم العالي بمعاقبتها بعقوبة الفصل التأديبي، لما ثبت في حقها من العلم المسبق بقيام زميلتها بفتح مظروف الإجابة النموذجية لامتحان مادة اللغة الفرنسية للصف الثاني عشر عن الفترة الدراسية الرابعة من العام الدراسي 2012-2013، وتصوير الورقة الأولى بالهاتف النقال وإرسالها عن طريق الواتساب إلى طالبين قريبين للمعلمتين بالمخالفة لأحكام نص المادة 24 من قانون الخدمة المدنية، وأنها تظلمت من هذا القرار بكتاب وجهته إلى الوزير لكنها لم تتلق ردا، الأمر الذي دفعها الى رفع الدعوى الماثلة.

وتداولت الدعوى في الجلسات على النحو المبين تفصيلا في محاضرها، وخلالها حضرت محامية الحكومة التي قدمت مذكرة بدفاعها –اطلعت عليها المحكمة– ذكرت فيها أن «المدعية أقرت بالمخالفة المسندة إليها في التحقيق الإداري الذي أُجري معها وفق أحكام القانون».

وقالت محامية الحكومة إن «المعلمة قصدت من عدم التبليغ التستر على زميلتها المعلمة الثانية والاستفادة من تصوير وإرسال ورقة الامتحان لابن أخيها الطالب الذي زودته برقم الهاتف النقال الخاص بزميلتها سالفة الذكر لهذا الغرض، وأن جسامة الذنب الإداري المنسوب إليها وإخلالها بالأمانة الوظيفية ومساهمتها في أعمال الغش تجعل عقوبة الفصل التأديبي مناسبة لا غلو فيها ولا يشوبها أي تعسف في استعمال السلطة».

ثبوت يقيني

وذكرت المحكمة، في حيثيات حكمها، أنه «لما كان الثابت من الأوراق ومن استقراء المحكمة لمذكرة رئيس لجنة التحقيق ومحاضر التحقيق الإداري ثبوت ارتكاب المدعية للمخالفة المسندة إليها ثبوتا يقينيا لا يداخله الشك من بين يديه ولا من خلفه، استنادا إلى إقرارها الصريح في التحقيق بالإضافة إلى إقرار زميلتها المعلمة التي ذكرت أن المدعية شاهدتها وهي تقوم بتصوير وإرسال ورقة الامتحان، وأنها زودت ابن أخيها الطالب برقم الهاتف النقال الخاص بها، فاتصل بها في مساء اليوم السابق ليوم الامتحان طالبا منها مساعدته، فضلا عن اقوال الشهود التي تؤكد في مجملها الذنب الإداري المنسوب إلى المدعية بعلمها المسبق بما قامت به زميلتها سالفة الذكر، وامتناعها عن التبليغ بقصد التستر عليها وتمكين ابن اخيها من الغش بالحصول على ورقة الامتحان قبل انعقاده، ومن ثم فإن المحكمة تشاطر جهة الإدارة في صحة ارتكاب المدعية للمخالفة المسندة إليها وخروجها على مقتضيات وواجبات الوظيفة التي تشغلها».

وأضافت: «وحيث إنه بالنسبة لما أثاره محامي المدعية من عدم مراعاة حق الدفاع في التحقيق الإداري السابق لصدور القرار المطعون فيه، فإنه من المقرر أنه يشترط لسلامة التحقيق الإداري أن تتوافر له كل مقومات التحقيق القانوني وكفالاته وضماناته من حيث إحاطة المشكو في حقه علما بما هو منسوب إليه، وتمكينه من الدفاع عن نفسه قبل توقيع الجزاء عليه وما يستتبع ذلك من وجوب استدعائه وسؤاله ومواجهته بما هو مأخوذ عليه، وإتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه ومناقشة شهود الإثبات، وسماع من يرى الاستشهاد بهم من شهود النفي، وغير ذلك من مقتضيات الدفاع، وهو أمر تقتضيه العدالة وتمليه المصلحة العامة حتى يصدر الجزاء مستندا إلى السبب المبرر له دون تعسف أو انحراف، وأن القصد من هذه الضوابط تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان لذوي الشأن».

مقومات التحقيق

وأوضحت المحكمة أن «الثابت للمحكمة أن التحقيق الإداري السابق لصدور القرار المطعون فيه توافرت فيه مقومات التحقيق القانوني وكفالاته وضماناته واستجمع كل الأركان التي تجعل منه تحقيقا سليما لا تشوبه أي شائبة، إذ قامت لجنة التحقيق باستدعاء وسؤال عدد من شهود الإثبات، إضافة إلى المدعية وزميلتها المعلمة اللتين تمت إحاطتهما بالمخالفة المسندة إليهما بوضوح وتمكينهما من الدفاع عن نفسيهما دون وعد أو وعيد وبغير ترغيب أو ترهيب، ولم يثبت أن أيا منهما تمسكت بالاستعانة بمحام في هذا التحقيق الذي تم تدوينه كاملا في محاضر مكتوبة مكنت المحكمة من تسليط رقابتها عليه».

وتابعت: «هذا فضلا عن أن القانون لم يتضمن نصا يشترط لصحة التحقيق الإداري مع المشكو في حقه حضور محام، الأمر الذي يكون معه ما أثاره محامي المدعية في هذا الخصوص على غير أساس حريا برفضه، ولا ينال من هذا النظر ادعاؤه بعدم اتسام موظفي التحقيق بالحيدة الكاملة لتبعيتهم الإدارية للوزير، ذلك أنه ادعاء مرسل لا دليل عليه في الأوراق التي خلت مما يثبت وجود أي ميول شخصية لدى لجنة التحقيق إزاء المدعية».

واردفت انه «بالنسبة لما أثاره محامي المدعية من أن جهة الإدارة ذكرت في ديباجة القرار المطعون فيه سببا عاما ومجهلا، فإنه من المقرر وفقا لنص المادة (55) من نظام الخدمة المدنية أنه لا يجوز توقيع عقوبة تأديبية على الموظف إلا بقرار مسبب بعد التحقيق معه كتابة أو شفاهة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه».

ذنب إداري

وبينت المحكمة انه «وكان الثابت للمحكمة من القرار المطعون فيه أن جهة الإدارة أشارت في ديباجته إلى الذنب الإداري المنسوب إلى المدعية بصورة مفصلة، وأنها استندت في إصداره إلى مذكرة قطاع الشؤون القانونية وأحكام المادتين (28) من قانون الخدمة المدنية و(60) من نظام الخدمة المدنية وما تقتضيه المصلحة العامة، الأمر الذي ترى معه المحكمة أن هذا القرار جاء على نحو مسبب تسبيبا كافيا ما يجعل ما أثاره محامي المدعية في هذا الخصوص على غير أساس حريا برفضه أيضا».

وأشارت الى انه «بالنسبة لما أثاره محامي المدعية من الغلو في توقيع عقوبة الفصل من الخدمة، وعدم تناسبها مع المخالفة المسندة إلى موكلته، فإنه من المقرر أن السبب في القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو قيامه بعمل من الأعمال المحرمة عليه سلبا أو إيجابا أو سلوكه سلوكًا معينًا ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بعمله أو في أداء واجبات وظيفته أو خروج على مقتضياتها أو إخلال بكرامتها أو بالثقة الواجب توافرها فيمن يقوم بأعبائها».

واستدركت أن «للجهة المختصة بالتأديب سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في ذلك، إلا أن يشوب تقديرها غلو والذي من صوره عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري ونوع الجزاء ومقداره، وللقضاء التحقق من سبب القرار ومن صحة الوقائع التي بُني عليها وصحة تكييفها القانوني، ومن ملاءمة الجزاء وتناسبه مع المخالفة الثابتة في حق الموظف ليكون الجزاء عادلا، واستخلاص ذلك هو مما تستقل بتقديره محكمة الموضوع بلا معقب عليها بما لها من سلطة في فهم وتحصيل الواقع في الدعوى، إلا أن شرط ذلك أن يكون استخلاصها سائغا له سنده الثابت بالأوراق ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها».

قرار تأديبي

واوضحت المحكمة «أنه إذا تبين لمحكمة الموضوع غلو الجهة الإدارية في توقيع الجزاء، فإن القرار التأديبي يخرج من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، وفي هذه الحالة تمتد رقابة المحكمة إلى الفصل في الموضوع بنفسها والنظر في توقيع الجزاء البديل الذي تراه مناسبا مع المخالفة التي تبين لها ثبوت ارتكابها، ويقوم الجزاء على أساس التدرج تبعا لجسامة المخالفة التأديبية».

وقالت: «إنه إذا كان مبنى إلغاء القرار التأديبي هو الغلو، فإن مضي المحكمة في رده واستبداله بتوقيع جزاء آخر يجد أساسه في أنها منوط بها استقرار الأوضاع الوظيفية، وفي ذلك اقتصاد في الإجراءات ومنع من إثارة المنازعة مجددا فيما لو تُرك لجهة الإدارة توقيع الجزاء، وهو ما يفضي إلى استقرار الأوضاع الإدارية وخلق الظروف المناسبة لحسن أداء العمل وانتظامه».

وأضافت: «انه لما كان ما تقدم وترتيبا عليه، وكان الثابت للمحكمة أن المدعية ولئن أخطأت في عدم تبليغها عن قيام زميلتها بفتح مظروف الإجابة النموذجية لامتحان مادة اللغة الفرنسية للصف الثاني عشر عن الفترة الدراسية الرابعة من العام الدراسي 2012-2013 وتصوير الورقة الأولى بالهاتف النقال وإرسالها عن طريق الواتساب، وهو ما يشكل في حقها مخالفة تأديبية تتسم بقدر من الخطورة باعتبار أنها تمس مسألة سرية الامتحانات وتؤدي إلى تمكين الطلبة من الغش وزعزعة الثقة بالهيئة التعليمية، إلا أن العقوبة التأديبية التي قدرتها جهة الإدارة بفصلها من الخدمة يشوبها الغلو وعدم التناسب الظاهر بين ما ثبت في حقها وبين تلك العقوبة التي تعني استئصال الموظف من جسم الجهاز الوظيفي ما يؤثر على مستقبله ويؤدي إلى اضطراب حياته الاجتماعية ولا ريب».

ولفتت الى انه «قد استقر القضاء الإداري على أن جزاء الفصل من الخدمة لا يجوز اللجوء إليه إلا إذا كانت المخالفة التأديبية شديدة الخطورة أو كانت حالة الموظف ميؤوس منها ولا يُنتظر تحسنها، وهو ما لا يتوافر –حسب تقدير المحكمة– في حق المدعية، الأمر الذي يكون معه ما أثاره محاميها في هذا الخصوص صحيحا وفي محله، ومن ثم تخلص المحكمة إلى إلغاء القرار المطعون فيه والقضاء بمعاقبة المدعية تأديبيا بعقوبة خفض الدرجة إلى الدرجة الأدنى مباشرة مع ما يترتب على ذلك من آثار، وتنوه إلى أنها تترك لجهة الإدارة تحديد أقدميتها ومرتبها في هذه الدرجة عملا بنص البند (4) من المادة (28) من قانون الخدمة المدنية».