«بين السماء والأرض»...«سيلفي» للأبطال احتفالاً بنجاتهم
{بين السماء والأرض} رائعة الراحل صلاح أبو سيف عن قصة لأديب نوبل نجيب محفوظ وسيناريو وحوار السيد بدير وصلاح أبو سيف. هنا رؤية معاصرة للفيلم.
صورة «سيلفي» تضم هند رستم وعبد المنعم مدبولي ومحمود المليجي، بقسمات وجه تظهر فرحة عارمة لأشخاص نجوا لتوهم من الموت اختناقاً داخل أحد المصاعد، والذي شكل خلفية صورتهم الملتقطة في أحد أحدث الهواتف النقالة، بعدما نجحوا في إرسال رسالة استغاثة وطلب المساعدة رغم ضعف شبكة المحمول وانقطاع الإنترنت بالتبعية.تدور أحداث «بين السماء والأرض» حول تعطل مصعد كهربائي في إحدى العمارات الشاهقة، ليظل معلقاً بركابه بين السماء والأرض ما يتيح لنا التعرف إلى شرائح اجتماعية مختلفة ومن ثم تصرفات وسلوكيات تتشكل بظروف اللحظة شديدة الخصوصية.
«بسرعة يا جماعة ريتويت وشير 14 شخصاً متعلقين في أسانسير»، أحد أكثر التدوينات انتشاراً على «فيسبوك»، تحث متابعي مواقع التواصل الاجتماعي على سرعة تقديم العون لأبطال الفيلم الذي أنتج في خمسينيات القرن الماضي، ليقرأ أحد الشبان في العمارة حيث المصعد استغاثات إلكترونية عبر جهازه اللوحي «آيباد»، فيتوجه مسرعاً إلى بواب العمارة الذي ينقذهم بتشغيل المصعد يدوياً، وهو السيناريو الافتراضي الكفيل بتحويل مسار الفيلم وإنهائه في أقل من 10 دقائق لو توافرت الوسائط الإلكترونية.هاشتاغ «أنقذوا من في الأسانسير» المصحوب بعلامة الشباك الشهيرة على موقع «تويتر»، لا يمكن أن يثير أي ضجة اليوم نظراً إلى تكرار انقطاع التيار الكهربائي واعتياد حارسي العمارات الشاهقة على التعامل مع الظرف نفسه مراراً. حتى سكان هذه العمارات باتوا أكثر اعتياداً على «السيناريو» نفسه، ومن ثم يتعاملون بهدوء مع الموقف وهم بين السماء والأرض، مقارنة بأبطال أبو سيف الذين بدأ كل منهم في مراجعة حساباته مع الله كلما ازداد توتراً.اللافت أن زمن الفيلم لم يشهد مثل هذه الحوادث رغم بدائيته مقارنة بعصر التكنولوجيا والإنترنت والديجيتال ومختلف الوسائط وآليات العصر.مجموعة الموت الفيلم الذي تم اختياره ضمن قائمة أفضل مئة فيلم مصري في تاريخ السينما، يرصد قصة كل شخص من «مجموعة الموت» التي عاشت أكثر اللحظات قسوة، وعندما يدركون أن ثمة أملاً ضعيفاً في خروجهم أحياء من المصعد يتعظون، ويروحون ينظرون إلى الحياة بصورة إيجابية وينشأ في داخلهم الأمل وذلك بسبب اقترابهم من الموت، وإدراكهم أنهم لم يقدِّروا الحياة حق تقدير. وفي الوقت نفسه ثمة شخص خارج المصعد ولكنه تعيس أيضاً ويحاول الانتحار بالقفز من سطح المبنى حيث المصعد, حتى تصل النجدة وتنقذ من تستطيع إنقاذه.ظل المصعد معلقاً نحو 90 دقيقة، توحدت فيه مصائر ممثلين للطبقة الوسطى، ولص كبير لا يتورع عن القتل، ولص سريح، وهارب من مستشفى الأمراض العقلية، وأرستقراطي متكبر، وصاحب عين جائعة، وفتاة صاعدة إلى السطح لتنتحر مع حبيبها، وخائن لصديقه، ونجمة السينما.في عالم مواز وفي تصور معاصر لشاهدنا أحد ركاب المصعد يخرج الحاسوب من حقيبته ويصل به {فلاشة الإنترنت} ليقول عبر الفضاء الإلكتروني إن في المصعد أشخاصاً محجوزين، ثم يبث تباعاً صورة من داخل المصعد عبر موقع {إنستغرام}.رجل بعيني صقر، يقف في مدخل عمارة في وسط القاهرة، ويلقي نظرة قاتلة مصحوبة بتعليمات صارمة على أحد مساعديه: {لو باظت عملية النهار ده رحنا في داهية}. الرجل هو محمود المليجي، وكان يخفي وجهه بصحيفة {الجمهورية} الصادرة بعنوان: {كيف ترشح نفسك؟}.مشهد ليس عابراً، في بداية فيلم {بين السماء والأرض}، كأنه صنع لأجل انتخابات غامضة، يتقدم إليها، بلا وازع من وطنية، من يجب أن يختفوا من المشهد العام حتى ننسى، ولكنهم يدافعون عن رقابهم ومستقبلهم، لأن {العملية لو باظت... راحوا في داهية».{بين السماء والأرض}، قصة كاشفة لنجيب محفوظ، صاغها السيد بدير بحرفية عالية، والتقطها صلاح أبو سيف لتكون فيلماً من الكلاسيكيات. ويذكر نقاد أن أبوسيف مخرج كبير وأحد رواد سينما الواقعية في مصر، وضع بصماته الحقيقية ليظل {بين السماء والأرض} محتفظاً ببهائه القديم المتجدد، فهو في أقل تقدير يعيد إلى ذاكرة الجمهور لمسات عدد من نجوم التمثيل والمسرح في عهد تلك السينما الجميلة وفي مقدمهم محمود المليجي وهند رستم وعبد السلام النابلسي، وعبد المنعم إبراهيم، وعبد المنعم مدبولي.ويضيف النقاد أن الفيلم يجمع خفة الكوميديا والدراما الاجتماعية ذات الصبغة الإنسانية، حينما يقدم لنا حكاية بسيطة وعميقة في الوقت ذلته حول تعطل {مصعد كهربائي}، في إحدى البنايات في مدينة القاهرة، واكتشاف المشاهد اختلاط مشاعرهم وقلقهم من النقد الاجتماعي لكثير من المظاهر الاجتماعية والسياسية في قالب ساخر، تمتزج فيه مرارة الضحك، بعنصر {التشويق} البارع، إحدى خصائص صلاح أبو سيف.