رأى اقتصاديون أن أعضاء هيئة مفوضي أسواق المال الجدد مطالبون بالمبادرة إلى تشكيل فريق يختص بوضع تصورات حول تعديلات القانون والقيام بتعديل لائحته التنفيذية بما يتناسب مع خبراتهم، فضلاً عن زيادة الجهود لتطوير السوق وزيادة مهنيته وتنافسيته مع الأسواق الأخرى.

Ad

وقال الاقتصاديون لـ«الجريدة» إن رقابة الهيئة يجب أن تتم بشكل تدريجي لا فوري، فضلاً عن تواصلها مع الجهات التي تخضع لرقابتها لما فيه مصلحة الجميع، مضيفين أن على مفوضيها أن يتخذوا خطوات ملموسة لإعادة الثقة بين أوساط المستثمرين، بعدما تلاشت خلال الفترة الماضية.

وأضافوا أن بورصة الكويت يجب أن تتطور وترتقي لتصبح في مصاف الأسواق الأخرى، وعلى «الهيئة» أن يكون لها دور مؤثر في ذلك، مع ضرورة وجود فكر متطور للعمل وفقه، لا أن تضم مجرد أشخاص يؤدون أدوارهم بشكل اعتيادي وروتيني، مشددين على ضرورة ضمان استقلاليتها واستقرار قوانينها.

وبينما أشاروا إلى أن هناك إشكالية مازالت موجودة في الجهاز الإداري بين الهيئة وإدارة سوق الكويت للأوراق المالية، نادوا بضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين في وضع القوانين وتعديلاتها، مضيفين أن الدور التوعوي يجب أن يكون أكبر وأوضح لجميع مواد القانون واللائحة التنفيذية والقرارات التي تصدرها الهيئة.

وكان مجلس الوزراء وافق أمس الأول، بناء على عرض نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التجارة والصناعة وزير التربية ووزير التعليم العالي بالوكالة د. عبدالمحسن المدعج، على مشروع مرسوم بتعيين رئيس ونائب رئيس وأعضاء مجلس إدارة الهيئة، وهم: د. نايف الحجرف رئيساً، ومشعل مساعد العصيمي نائبا له، ود. فيصل الفهد وخليفة العجيل وعبدالمحسن المزيدي أعضاءً.

ويأتي هذا التعيين بعد انتهاء فترة الولاية الأولى برئاسة صالح الفلاح ونائبه د. مهدي الجزاف، وعضوية كل من د. فيصل الفهد وخليفة العجيل ومشعل العصيمي، في وقت تشهد فيه «هيئة السوق» هجوماً من بعض أعضاء مجلس الأمة، ومطالبات بتعديل قانونها، بما يقلّص صلاحيات المفوضين، وربما يسمح بالتدخلات السياسية في عملها مثلما أشارت تقارير سابقة وآراء مراقبين.

وجاء هذا القرار الحاسم من الوزير المدعج بعد مساهمته بشكل كبير في رأب الصدع بين غرفة تجارة وصناعة الكويت واتحاد الشركات الاستثمارية من جهة و»الهيئة» من جهة أخرى، حول قرارات سابقة لها، في خطوة تحسب لصالحه وصالح الحكومة بشكل عام، وتشير إلى اهتمامه بالوضع الاقتصادي والمشاكل التي يتعرض لها القطاع الخاص في عمله.

وتنبع أهمية هذه الخطوة من أنها تلقي الضوء على الاهتمام الحكومي بالملف الاقتصادي، والذي تعمل فعلاً على تطويره، بما يخدم تنفيذ رؤية سمو الأمير بتحويل الكويت إلى مركز مالي وإقليمي في المنطقة... وفي ما يلي تفاصيل آراء الاقتصاديين وما يريدونه من الأعضاء الجدد.

قال الخبير الاقتصادي رئيس شركة الشال للاستشارات جاسم السعدون ان التشكيل الجديد للهيئة جيد من ناحيتين، الأولى هي أن 4 من أصل 5 من المفوضين كانوا من المفوضين في السابق بمن فيهم الرئيس د. نايف الحجرف، وبالتالي فإن المجلس سيمتلك الخبرة اللازمة لتحقيق ما هو مطلوب منهم، أما الناحية الثانية فإنه من المفترض أن يكون المفوضون السابقون قد عانوا خلال الفترة السابقة عندما كانت "الهيئة" تعاني العديد من النواحي، وبالتالي يجب أن يكون لهم هدف يتمثل بانهاء مثل هذه المعاناة عن طريق الإنجازات المستحقة عليهم.

وأضاف السعدون ان هناك تحديا أمام المجلس الجديد، وهو العمل على عزل "الهيئة" عن السياسة ولعبة المصالح السياسية، "ونحن مقبلون على تعديلات على القانون وربما ينزلق هذا الأمر سياسياً، وهذا ما سيشكل تحدياً أمام المجلس الجديد، خصوصاً وأن الحكومة أخطأت عندما قلصت مدة مجلس المفوضين من 5 إلى 4 سنوات دون تقديم أي تبريرات أو توضيحات لهذه الخطوة، مما جعلها تعاني الصراعات السياسية عقب هذا الأمر وأدى إلى الخروج بقرار التشكيل الجديد".

وأشار إلى أنه لا يعلم عن كيفية وطريقة تشكيل المجلس الجديد، لكن ما هو مؤكد أنه إذا كان التشكيل نتيجة لقرار توافقي فإنه سيؤدي إلى تخفيف الجرعة السياسية والصراعات الأخيرة، أما إن لم يكن كذلك فإنه حتماً سيكون "لغماً" سينفجر بأي لحظة.

وأوضح السعدون أن المفوضين الجديد مطالبون بالمبادرة لتشكيل فريق يختص بوضع تصورات حول تعديلات القانون والقيام بتعديل اللائحة التنفيذية له بما يتناسب مع خبراتهم، وطلب الاستشارة من المفوضين السابقين كذلك إن استدعى الأمر، مشيرا الى ان من الواجب ايضا أن يقوموا بوضع معايير صارمة ومحترمة في التعيينات على جميع المستويات بما فيها المناصب القيادية، وكذلك من ناحية الكم والكيف، لا أن تتحول إلى ما وصلت إليه الخطوط الجوية الكويتية!

وقال ان ثلاثا من بورصات الخليج نجحت مؤخراً بدخول مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة، وبالتالي من المفترض أن يتم التركيز وزيادة الجهود على تطوير السوق وزيادة مهنيته وتنافسيته مع الأسواق الأخرى، كما أن سوق الكويت للأوراق المالية تحول إلى شركة الآن، وستحول ملكيته إلى القطاع الخاص خلال الفترة القادمة، وبالتالي من المفترض أن يتم هذا الأمر بسلاسة تامة دون الوقوع في خصام مع أطراف، فالاستقرار مطلب جميع الأطراف.

وأكد السعدون أن نجاح المفوضين الجدد يعتمد على النجاح في القيام بما هو مطلوب منهم وما يجب عليهم من التزامات وواجبات.

التدرج في الرقابة

أما عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت أسامة النصف فأشار إلى أنه متفائل بالتعيينات الجديدة والأسماء التي تم اختيارها، مشيراً إلى أنهم مطالبون بتطوير العمل خلال الفترة القادمة، "ونريد أن تتدرج الهيئة برقابتها، أي أن تكون رقابتها بشكل تدريجي لا فوري، ومن ثم التواصل مع جميع الجهات التي تخضع لرقابتها لما فيه مصلحة الجميع.

واوضح النصف أن الملفات التي سببت الاحتقان خلال الفترة الماضية يجب أن تحل بشكل سليم، مشيراً إلى أن الاستماع لملاحظات الجهات المعنية والتواصل معها من شأنه أن يساهم بإنجاح العمل بشكل مفيد لجميع الجهات.

يتمتعون بالخبرة

من جهته، قال مستشار مجلس الإدارة في شركة أرزاق كابيتال صلاح السلطان ان تشكيلة إدارة هيئة مفوضي أسواق المال من رئيس وأعضاء جيدة، فهم يملكون خبرة لا بأس بها في مجال الاقتصاد والإدارة، ولديهم عقليات وأفكار متطورة، من شأنها ان تنهض بالسوق الكويتي بعدما عانى الأمرين بعد الأزمة المالية العالمية.

وأوضح السلطان ان على مفوضي الهيئة ان يتخذوا خطوات ملموسة لإعادة الثقة بين أوساط المستثمرين، بعدما تلاشت خلال الفترة الماضية، مشيرا الى ان هناك العديد من ملفات عديدة يجب ان النظر إليها، ومناقشتها ومعالجتها.

وذكر ان السوق بحاجة الى تنظيم على جميع مستوياته ابتداء من عملية التداول مرورا بالافصاحات والشفافية وعمليات الاستحواذ وغيرها، والنظر ومعاقبة المضاربين والمتلاعبين في أسعار الأسهم، مؤكدا ضرورة معالجة أوضاع الشركات المتعثرة وإيجاد الحلول المناسبة لها، وحفظ أموال مساهميها.

واقترح السلطان ان يجتمع أعضاء مفوضي هيئة أسواق المال مع اتحادات الشركات وأعضاء غرفة التجارة والصناعة ومجموعة من التجار بشكل دوري، ليكونوا على علم بجميع الأمور والتحديات المستجدة، وان يأخذوا بمقترحاتهم وآرائهم.

وشدد على اهمية تطبيق قواعد الحوكمة كونها تعمل على حفظ أموال مساهمي الشركات، كما تعمل على تعزيز الشفافية وتساعد على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية وتنظم السوق، فضلا عن ان انها تسهم في النهاية بوجود بيئة عمل جيدة.

طريق واقعي

بدوره، ذكر خبير أسواق المال محمد الثامر، أن خطوط العمل يجب أن تكون منظمة ولها طريق واقعي، فمن يأتي الى منصب جديد يجب أن تكون له بصمته الخاصة في المؤسسة التي يعمل بها لا أن يكتفي بالعمل كما هو معتاد فقط!

وقال الثامر ان بورصة الكويت يجب أن تتطور وترتقي الى مصاف الأسواق الأخرى، وعلى "الهيئة" أن يكون لها دور مؤثر في ذلك، مؤكدا ضرورة وجود فكر متطور للعمل وفقه، لا مجرد اشخاص يؤدون أدوراهم بشكل اعتيادي، إنما تقديم أفكار تطويرية.

وأشار إلى أهمية أن يكون للهيئة دور مؤثر في الاقتصاد الكويتي والتدخل في أحادية الدخل التي يجب أن تُلغى، كما ان مساهمات القطاع الخاص فيه ضعيفة جداً، موضحاً أن دور الهيئة أكبر من مجرد الرقابة.

وأضاف ان الهيئة مطالبة بخلق بيئة اقتصادية ممتازة لما لها من دور كبير في تعزيز الاستثمارات وجذبها، فعلى سبيل المثال إن كانت قواعد الإفصاح والتخارج والتمثيل في مجالس الإدارات ممتازة ستؤثر بشكل مباشر في جذب الاستثمارات الاجنبية نظراً لتطور الأمور القانونية اللازمة لاستثماراتها، مشيراً إلى أن تطور هذه البيئة الاقتصادية أمر واجب على الهيئة الاشتراك فيه وعدم الاكتفاء بدورها الرقابي فقط.

واوضح الثامر أن أبرز الملفات التي يجب أن يهتم بها المجلس الجديد هو إزاحة المعوقات امام قيام القطاع الخاص بدوره في الاقتصاد الوطني وتطويره وزيادة نموّه خلال الفترة القادمة، من خلال المساهمة في تعزيز البيئة الاستثمارية عبر القرارات والأنظمة المتطورة الخاصة بها.

ضمان الاستقلالية

وبدوره، أعرب جعفر القلاف من مجموعة الجوهرة "انفست القابضة" عن تفاؤله بتشكيلة إدارة هيئة مفوضي أسواق المال، مشيراً إلى أن أعضاء هيئة أسواق المال يمتلكون القدرة على تغيير الوضع الحالي الى الأفضل.

وشدد القلاف على اهمية ضمان استقلالية الهيئة وضمان استقرار قوانينها، بما يتماشى مع نظامها الأساسي الذي يتيح التغيير خلال فترة زمنية محددة من تاريخ التأسيس، لافتا الى ان هناك العديد من الملفات والقضايا الواجب معالجتها في أسرع وقت، إضافة الى تطبيق القوانين.

وأشار الى ان هناك ملفات عدة يجب التطرق لها، لعل أهمها ما جاء في مذكرة غرفة التجارة والصناعة كونها بادرت كجهة متخصصة الى إصدار ملاحظاتها مكتوبة حول بعض مواد اللائحة التنفيذية، وبينت الفرق بين اللائحة التنفيذية والمذكرة الإيضاحية وغيرها من جوانب بالإمكان الرجوع إليها.

وتابع القلاف قائلا ان هناك ملاحظات اتحاد شركات الاستثمار، وما يتعلق بقواعد الحوكمة، وضرورة النظر بفوارق رساميل الشركات، اذ ان من المنطقي الا تستوي قدرة الشركات الكبيرة مع الشركات ذات الرساميل الصغيرة.

وأضاف ان هناك قضايا تتعلق بتسويق صناديق الاستثمار المحلية والأجنبية، ويجب النظر فيها ومعالجتها، إضافة الى رسوم شركات الوساطة وغيرها من ملفات كثيرة تعرضت للنقاش، مشيرا الى ان أمام الأعضاء مجموعة من التحديات والملفات التي تتطلب منهم مناقشتها ومعالجتها.

واكد ان على هيئة أسواق المال ان تتخذ خطوات تنظيمية من شأنها النهوض بالعمل المؤسسي وترتيب أوضاع الشركات وعملية التداول، موضحا ان التحديات في تجدد مستمر دائما، وهي تتجدد مع مرور الزمن وحسب الظروف ولكن يجب ان تكون هناك مجموعة من القوانين تحمي الشركات وأموال المساهمين في حال حدوث أي ازمة.

الارتباط بوزارة التجارة

ومن جهته، قال المحلل الاقتصادي علي النمش ان مجلس المفوضين الجديد يجب أن يركز في عمله على قطع علاقة الشركات المساهمة بوزارة التجارة والصناعة إلا بما يتعلق بترخيصها فقط، مشيراً إلى أن من غير المعقول أن تتبع الشركات المساهمة الوزارة حتى الآن رغم إنشاء الهيئة!

وأضاف النمش أن هناك إشكالية مازالت موجودة بالجهاز الإداري ما بين الهيئة وإدارة سوق الكويت للأوراق المالية، مشيراً إلى أنه من المفترض أن يتم حل هذه الإشكالية بشكل فوري دون تأخير.

وشدد على اهمية التركيز على خصخصة البورصة، في الوقت الذي تركز فيه الهيئة على الملفات الأخرى، "فلا نريد أن نتأخر في طرح البورصة للاكتتاب العام كما حدث التأخير في ترخيصها"، مؤكداً أن هذه الأمور إن تمت فإنها ستعبّر عن جدية المفوضين الجدد في القيام بأدوارهم بشكل جيد.

ردود سريعة

وعلى صعيد متصل، ذكر عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت فهد الجوعان ان الملفات المطلوب التركيز عليها كثيرة، أبسطها أن تكون الردود على استفسارات الشركات سريعة لتوضيح الأمور المستفسر عنها، مشيراً إلى أن المفوضين الجدد لو استمعوا إلى الشركات وملاحظاتها على القرارات الصادرة من الهيئة "فإننا مقبلون على مرحلة تعاون جديدة بين الأطراف المعنية".

وقال الجوعان ان التعيينات الجديدة برئاسة د. الحجرف تعبر عن توجه حكومي جيد، خصوصاً لما للأسماء المعيّنة بصمات واضحة في أمور كثيرة، ولديهم الخبرة اللازمة في الأمور المالية والاستثمارية التي تعطيهم القدرة على فهم واقع أسواق المال، متوقعاً أن يكون لهم دور إيجابي ازاء البورصة الكويتية التي عانت خلال الفترة الماضية لأسباب عديدة.

وأضاف ان المطلوب إعادة النظر في المواد المتعلقة بالملاّك وتداولاتهم والاستحواذات، داعيا الى تبسيط القانون وإعطاء حرية أكبر للشركات بتطبيق المواد والقرارات الخاصة بقطاعاتهم وذلك عن طريق المساهمين وقراراتهم في الجمعيات العمومية.

وأشار الجوعان إلى أن الدور التوعوي يجب أن يكون أكبر وأوضح لجميع مواد القانون واللائحة التنفيذية والقرارات التي تصدرها الهيئة، مضيفاً أن القانون منح سنوات لتنفيذه وحان وقت إعادة النظر فيه وتطوير ما يلزم.

وقال: "علينا الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال في الدول المحيطة على الأقل، وعلى المفوضين الجدد أن يكونوا مستمعين جيدين للشركات، اضافة الى دراسة اقتراحاتهم وملاحظاتهم المتعلقة بالقرارات الصادرة أو المتعلقة بمواد في اللائحة التنفيذية، وكذلك الأمر بالنسبة الى افكارهم التطويرية التي يجب أن تدرس بعناية قبل اتخاذ القرارات الرسمية لها"، مشيراً إلى أن التعاون بين جميع الأطراف من شأنه أن يخلق بيئة استثمارية إيجابية وجاذبة للمستثمرين والاستثمارات.