تم الإعلان الأسبوع الماضي عن مجموعة من الاكتتابات الأولية لبعض الشركات، بعدما شهد هذا العام أقوى بداية لعمليات تحويل الشركات الخاصة إلى شركات عامة تعرفها الأسواق الأمريكية منذ عام 1997. وفي الوقت نفسه اشترت "فيسبوك" شركة التراسل، "واتس آب"، بمبلغ 19 مليار دولار، الأمر الذي يجعل منها أكبر بداية سنوية في صفقات التكنولوجيا منذ الذروة التي بلغها ازدهار "الدوت كوم" في عام 2000.

Ad

من السهل العودة إلى أيام جنون "الدوت كوم". فقد قيمت "فيسبوك" كل موظف من موظفي "واتس آب" الذين يبلغ عددهم 55 موظفاً، بمبلغ 345 مليون دولار، أو 42 دولاراً لكل زبون (يدفع بعض من هؤلاء مبلغاً كبيراً مقابل الخدمة لا يقل عن 0.99 دولار). وهناك مزيد من الشركات التي يتم تقييمها "بناء على الأمل" على نحو يفوق أي مرحلة في السابق منذ ما بعد انهيار "الدوت كوم".

فهل على المستثمرين أن يقلقوا من ذلك؟ الجواب باختصار نعم. ولفهم السبب، من المفيد أن نرى أن هذا لم يكن مجرد حماس لوادي السليكون.

أسهم النمو

المستثمرون مستميتون لشراء أسهم النمو. فقد مسحت خمس سنوات من التوسع الاقتصادي الضعيف في الولايات المتحدة – وحالات الركود المزدوج في أوروبا واليابان - كل نمو دوري أو نمو حساس للاقتصاد. والشركات القادرة على تقديم قصة نمو، بغض النظر عن النشاط الاقتصادي الذي تمارسه، تعد شركات لها قيمة عالية.

وعكس ذلك بالضبط كان صحيحاً، الشركات التي تروي حكايات عن نموها، مثل "فيسبوك"، أو "ريجينرون" للأدوية، أو "تيسلا"، توزع صفراً من حصص الأرباح، لأنها تستثمر من أجل مطاردة الأرباح في المستقبل البعيد. أما الشركات التي تقدم حصص أرباح عالية، وهي لا تحقق نمواً أو تحقق نمواً قليلاً، مثل شركات المنافع العامة وأنابيب النفط وشركات التبغ، فقد زاد الاهتمام بها وتحسن أداؤها بفعل المستثمرين الذين يأملون في الحصول على دخل أعلى مما يمكن أن يحصلوا عليه من السندات الحكومية.

وكما تقول سافيتا سوبرامانيان، من بنك ميريل لينش: "هذه التقييمات معقولة نوعاً ما. فالأشياء التي كانت نادرة في السنوات الخمس الماضية هي النمو وتحقيق العوائد". (ومن رأيها أن هذين الشيئين بولغ في قيمتهما في الشركات التي تقدم مزيجاً منهما).

ابتهاج بالصفقة

وقد تبين حجم الطلب على أسهم شركات النمو من خلال رد الفعل على شراء "فيسبوك" لـ"واتس آب"، إذ بدلاً من أن يفكر حاملو أسهم "فيسبوك" في أن رئيس الشركة الرئيس التنفيذي، الذي يتمتع بقوة مطلقة، والذي لا يكترث بقواعد الإدارة الرشيدة للشركات، قد ضيع لتوه 19 مليارا من أموالهم، إلا أنهم ابتهجوا للصفقة، مما زاد من أسعار الأسهم بنسبة 2.3 في المئة.

لم يكن سبب هذا هو أن "واتس آب" تجلب المال من الباب، ولكن لأنها تجلب الكثير من المستخدمين - تُقيّم شركات فضاءات الوسائط الاجتماعية على أساس "استحواذها على الأراضي"، والفكرة هنا هي أن أملاك الشبكة الشخصية تعني أن الأكبر هو الذي يأخذ الكل. أما كيف يمكن تحويل المستخدمين إلى مال، فهذا شيء يمكن لحاملي الأسهم أن يسعدوا بحله فيما بعد.

وعندما تصبح أسعار كل نقرة على الكمبيوتر وسعر كل مستخدم لفترة قصيرة مقاييس لها قيمة محترمة، يكون مثل هذا التفكير مشوبا بظلال فقاعة الدوت كوم.

«بناء على الأمل»

ومع ذلك يمكن حتى الآن احتواء الأمر. إذ توجد حالياً 14 شركة على رأس ألف شركة أميركية مقيمة "بناء على الأمل": يتم تداول أهمها بأكثر من عشرة أضعاف مبيعاتها وقيمتها الدفترية، و20 ضعف أرباحها المتوقعة. والكل يستطيع أن يروي حكايات ممتازة عن النمو، وهذه الحكايات تبدو أكثر تماسكا بكثير من شركة بيتس كوم، التي لعلها أبرز الحالات في كارثة الدوت كوم.

ويسيطر على هذا النوع من الأعمال ثلاثة قطاعات، هي الوسائط الاجتماعية، والتكنولوجيا الأحيائية، والتسوق بواسطة الإنترنت (مع أنظمة دفع تستفيد من تحول البيع بالتجزئة إلى شبكة الإنترنت). وتوجد أسباب جيدة لكل هذه الشركات. مثلاً، "فيسبوك" مربحة جداً، والموافقات على منتجات التكنولوجيا الأحيائية أسهل وهي تنتج الأدوية، والإنترنت هي بوضوح مستقبل التسوق. كذلك دخلت صانعة السيارات الكهربائية، "تيسلا"، القائمة واعدة بإحداث تحولات في هذه الصناعة.

مع ذلك، لهذا تأثير خطير على نفس هذه الأسهم الثمينة جداً، التي وصلت هذه السنة إلى أعلى مستوياتها منذ انفجار فقاعة الدوت كوم، لكن هذا لا يعني أننا نعيش فقاعة جديدة (لأن الأشياء كانت أسوأ بكثير في عام 2000). لكن في المقابل هذا لا يعني أيضاً أن هذه الأسهم مقيمة بأسعار صحيحة.

التركيز على الأساسيات

على المستثمرين التركيز على الأساسيات وتجاهل الغُثاء. وعلى هذا الأساس ستبدو الأسهم العادية غالية - وبالتالي كل الأسهم المقدمة في الاكتتابات العامة الأولية - لكن يبدو أن أغلب أسهم المضاربات، أو القائمة على التخمينات، تبدو غالية بصورة خاصة. وبعض هذه الشركات ربما تستطيع تكرار المسار الذي قطعته أسعار الأسهم في "مايكروسوفت"، أو "أبل" في أوج شعبيتهما ونجاحهما، لكن كمجموعة تعتبر مكلفة.

وبصورة فردية، يجري تداول كل شركة، وفقاً لآفاق نموها، التي تحتل أهمية تفوق كثيراً ربحيتها الحالية. لكن بصورة إجمالية تضخمت قيمة المجموعة بسبب الافتقار إلى النمو في شركات أخرى. وإذا تحرك الاقتصاد درجة إلى أعلى، لن يكون هناك نقص في فرص النمو الدوري. وستجد أن هناك تنافساً بين قصص النمو المكلفة للغاية على المدى الطويل للحصول على اهتمام المساهمين من الذين لديهم نمو أرخص من شركة مستقرة ومفهومة جيداً.

كذلك يغلب على الطلب القوي أن يخلق عرضه الخاص به. كان هناك طوفان من الاكتتابات العامة الأولية بين شركات التكنولوجيا الأحيائية التي تستفيد من الأموال السهلة المتوافرة. وكلما ازداد عدد الشركات المساهمة الجديدة، ازدادت الحاجة إلى الطلب اللازم لاستدامة التقييمات.

ويواجه المؤمنون بالسوق الهابط الحقيقة المحزنة التي مفادها أن الأسهم ذات التقييمات المرتفعة فوق الحد لديها عادة سيئة في اجتذاب المزيد من المشترين، في الوقت الذي يتدافع فيه للدخول أولئك الذين فوَّتوا فرصة الاستفادة من الأسهم التي ارتفعت أسعارها مرتين أو أكثر في السنة. وإذا أعيدت كرة فقاعة الدوت كوم والتكنولوجيا الأحيائية فمعنى ذلك أننا في عام 1999. وعندما تكون الفقاعة حقيقية سترتفع أسعار الأسهم من الآن مرتين أو ثلاث مرات خلال بضعة أشهر، قبل أن تنفجر بصورة مؤلمة.

* (فايننشال تايمز)