كل عام وأنتم بخير، وأمتنا الإسلامية بخير برغم كل ما حدث وكل ما يحدث الآن من سفك دماء شعوب عربية وتدمير أسر وبلاد وتهجير الآلاف من بلادهم وحياتهم ومسح ذاكرتهم التي كانت، وتفكيك أوصال أوطانهم وتشتيتهم في بقاع الأرض وبؤس المخيمات، وقتل انتماءاتهم وهوياتهم وأمانهم وأحلامهم.

Ad

كل عام ونحن بخير، لأن رمضان شهر البركة والخير، فما بين رمضانين تغيرت الأوضاع من حال إلى حال، خاصة بالنسبة إلى جمهورية مصر العربية، ففي رمضان العام الماضي 2013 وكنت أصومه في فينا مع درجة حرارة غير معقولة زاد من اشتعالها الوضع الكابوسي في مصر، الذي وضعنا على حافة الهاوية، ونقل القاهرة، مدينة الحضارات كلها، إلى العصر الحجري، لتتحول طرقاتها وشوارعها وساحاتها في غمضة عين إلى الأزمنة البربرية ومجاهل البدائية الأولى، امتلأت بتلك المخلوقات الغريبة في أشكالها، والآتية من زمن الغاب بتلك اللحى التي لم تعرف موسى الحلاقة، وبتلك السرابيل الغريبة العجيبة بأزيائها التي لا يُعرف زمنها الذي تنتمي إليه، ولا ماهية البلد الذي اخترعها، مخلوقات عنيفة غضوبة متجهمة تتجول بهراوات وعصي وشوم وخناجر وسيوف، والمتطور منها نسبياً حمل المسدسات والكلاكنشوفات وأخذ يشعل الحرائق ويدمر التراث الحضاري وينهبه، إضافة إلى قنص وقتل الناس بلا أي ذنب إلا بقصد ترويعهم وتهجيرهم خارج مدنهم، وحوّلوا أم العواصم العربية ودرتها إلى هلاهيل وخرائب وزرائب بشرية سكنت واستوطنت الطرق والشوارع بهلاهيلهم وتلك الجلابيب القصيرة المتسخة الحاملة للسواطير والسكاكين والعصي، والوجوه الغاضبة المحملة بالشر والتوعد، المتجولة بالأكفان، وبالأطفال المعدين للموت، وبالعقول الممسوخة بمكائن سيطرت عليها بالتدجين والدجل، وشوّهوا وجه أم المدن بالشوادر والشراشف والألواح الصفيح والحجارة و"حبال غسيل" ثيابهم واستحمامهم بخراطيم الماء في وسطها، الذي تحول إلى حمامات عمومية نشرت روائح الفطيس والجراثيم.

رمضان الماضي كنا نتابع بألم ما يحدث من تحولات خطيرة في أم الدنيا وما يزاملها في ذات الوقت من تدمير في سورية، لكن طريقة مسخ مدينة القاهرة كان الأشد وقعاً وأكبر تأثيراً، فما يجري فيها هو حتماً سيجري علينا، وإن سقطت قلعة العرب فستتهاوى بعدها كل بلاد العرب بلا استثناء لأحد منها. ومر شهر رمضان ونحن نتابع حريق القاهرة بقلوبنا الراعشة الواجفة، ونتضرع إلى الله أن يأتيها بالنصر المبين، وأن يحميها من أشرار الذين يريدون تدميرها بمخططهم التآمري الرهيب، لكن الله كان له أمر آخر وغيّر الحال بـ"كن فيكون" حتى يأتي العيد ليصبح عيدين بعودة مصر إلى ريادتها الحضارية والعربية.

ورمضان جديد يحل ويعود علينا والحال ليس بأفضل حال، فما بين الرمضانين مازالت رحى الحرب دائرة في سورية والوضع كما هو عليه من واقع أليم دموي، إذ شبع الناس من الموت وسفك الدماء والدموع التي تحجرت بتلك القبور التي فاضت بمن فيها، ويبقى الألم كما هو ما بين الرمضانين.

فماذا سيحمل لنا عيد هذا الرمضان الذي هلّ علينا؟

هل سيأتينا بنصر وفرحة كما أتانا بها العام الماضي؟

أم سينتهي الأمر بتقسيم العراق ونهاية دولة الرافدين ذات التاريخ الموغل في حضارات متعددة وسيكون حالها إلى زوال؟

سنتابع بقلوبنا التي تتمنى ألا يمس وحدة العراق العظيم صدع أو خدش أو جرح، فما يمس العراق سينعكس علينا بالسوء بكل تأكيد، فالمخطط التآمري الكبير الغامض لن يتوقف عند تقسيم العراق وحده، بل هو أكبر وأوسع وأشمل من ذلك، فماذا أعددنا له من عدة يا أمة العرب؟

فها هي رأس الحربة "داعش" يصل إلى حدود الأردن ويطمح في خطف جزء من الكويت، إن لم يكن كلها، وجزء من السعودية المتاخم لحدود الكويت، وهذا ما صرح به إعلامهم، فماذا أعددنا لهم؟

رمضان هلّ علينا فهل سيأتينا عيده بمفاجآت تحمل لنا الأمن والاستقرار والسلام، أم أننا سنصحو ونفيق على حرب تهزنا وترعبنا من جديد؟

أتمنى أن ينهي الله في هذا الشهر الكريم كوابيسنا العربية كلها، لننعم بشيء من السلام والراحة بعد هذا القلق الرهيب.

رمضان كريم وشهر مبارك على الجميع