للسينما المصرية باع طويلة في تقديم الأفلام التي تعبر عن مشاكل المرأة وأزماتها، بداية من فترة الخمسينيات مع أفلام: «الأستاذة فاطمة، الأفوكاتو مديحة، أنا حرة». مروراً بأفلام: «المراهقات، الحقيقة العارية، أسرار البنات، مذكرات مراهقة، الباحثات عن الحرية»، وصولا إلى «بنتين من مصر»، و{678»... وغيرها من أفلام لا تعدو كونها أعمالا سينمائية عابرة، لكنها تجتهد في طرح إشكاليات المرأة العربية عموماً والمصرية خصوصاً، وتعرض مشاكلها وإحباطاتها وأحلامها...

Ad

حيادية وظلم

يرى السيناريست مصطفى محرّم (لديه أفلام تندرج ضمن «سينما المرأة») أن الأعمال السينمائية اليوم ضعيفة عموماً ولا ترقى إلى مستوى «الفن السابع»، باستثناء قلة، «ما يضعنا أمام مشكلة رئيسة هي ضعف صناعة السينما المصرية، ذلك أن بعض المنتجين والمخرجين يهتم بوجود فنان شعبي وراقصة ولا ينظر إلى عناصر أخرى في الفيلم».

يضيف: «مناقشة قضايا المجتمع، سواء الخاصة بالمرأة أو بالرجل أو بالطفل، أساس عمل الفن والسينما. من هنا نريد أعمالاً تناقش قضايانا بحيادية، خصوصاً أزمات المرأة العربية، ومن دون تحيز معها أو ضدها. هدف الفن أن يحقق المجتمع المساواة بين الناس، وهذا ما أحاول فعله عندما أناقش قضايا المرأة في أفلامي من دون انحياز إلى أي طرف على الآخر».

المخرج مجدي أحمد علي الذي قدم أكثر من فيلم في هذا السياق، يعتبر أن غالبية الأفلام المنتمية إلى سينما المرأة ظلمتها  ووضعتها في موقف الجاني، رغم أنها ضعيفة وضحية مجتمعها.

يضيف أنه في فيلمه «أسرار البنات» حاول إنصاف الفتاة، وناقش أزمتها بحيادية لتغيير نظرة المجتمع إليها، «مع أن الصبي والفتاة واجهتهما الأزمة نفسها، إلا أن المجتمع غفر للذكر نزوته واعتبر فعله هذا نوعاً من الرجولة، فيما اعتبر الأنثى منحرفة وتستحق العقاب لأنها فرطت في شرفها».

يؤكد علي الحاجة إلى أعمال جادة تدفع المجتمع إلى الأمام، فالسينما في الأصل تنويرية، وأفلام المرأة التي تُنتج في الفترة الأخيرة أكثر جرأة من الأفلام التي قُدمت في الخمسينيات والستينيات.

يشير إلى أن السينما اليوم تحاول الوقوف إلى جانب الأنثى، وتأخذ بيدها وتشرح للمجتمع الأزمات التي تواجهها، على عكس ما كان يحدث في السابق، عندما كانت السينما تعتبر الأنثى المتحررة منحرفة، لافتاً إلى أن الأزمة الحقيقية هي ضعف إقبال الجمهور على هذه النوعية من الأفلام، لأن البعض يعتبرها مأساوية، غير مهتم بالرسالة التي يتم تقديمها أو الفائدة التي تعود من ورائها.

ظواهر سلبية

ترى الناقدة السينمائية ماجدة خيرالله أن المرأة العربية، خصوصاً المصرية، تتعرض لقهر شديد بحجة الأخلاق والشرف اللذين حُصرا في أمور صغيرة وأُغفلت الأزمات الحقيقية التي تواجه المرأة، «ولم يفكر أحد في حل هذه الأزمات التي تكاد تعصف ببنات العرب اللواتي يقفن موقف الضحية، لكن المجتمع ينظر إليهن كجناة».

تضيف: «الأعمال التي أُنتجت في السنوات العشر الأخيرة حاول صانعوها مناقشة قضايا المرأة بشيء من الحيادية والعقلانية، ورصد الظواهر السلبية التي تحاصرها، مثل التحرش، لذا أطالب المنتجين بالتركيز على هذه النوعية من الأعمال الهادفة التي تساعد في تنمية المجتمع المصري الحافل بالمشاكل والسلبيات».

توضح خيرالله أن الأفلام الهادفة عموماً وأفلام المرأة خصوصاً لا يتحمّس لها المنتجون الذين يعتبرونها «أفلام مثقفين» لا تدر أرباحاً، متناسين الدور التنويري الذي هو أساس عملهم السينمائي.

بدوره يوضح الناقد الفني أحمد سعد الدين أن حقبتي الثمانينيات والتسعينيات شهدتا حضوراً غير مسبوق للأفلام التي تقع تحت مظلة «سينما المرأة»، من بينها أفلام: نجلاء فتحي، نادية الجندي ونبيلة عبيد اللواتي حاولن تغيير نظرة المجتمع للمرأة.

يضيف: «في «المرأة الحديدية» تجسد نجلاء فتحي شخصية امرأة تنتقم من قاتلي زوجها، وفي «48 ساعة في إسرائيل» تجسد نادية الجندي شخصية المرأة التي تعمل لصالح بلدها، وفي «المرأة والساطور» تجسد نبيلة عبيد شخصية المرأة التي تنتقم  من زوجها الخائن واللص والكاذب».

يلاحظ أنه في بداية الألفية أخذت هذه النوعية من الأفلام شكلاً جديد، فغيرت المخرجة إيناس الدغيدي شكل «سينما المرأة»، وتحول المصطلح إلى «جسد المرأة»، وقد ظهر ذلك جلياً في أعمال كثيرة لها من بينها «الباحثات عن الحرية» و»مذكرات مراهقة»، مشيراً إلى اعتبار الدغيدي أن جسد المرأة أساسي في حياتها بالإضافة إلى باقي حقوقها.

يتابع: «نحن بصدد ازدهار حقيقي في «سينما المرأة» مع المخرجين الشباب أمثال: محمد أمين، نادين خان وهالة خليل، وأستبشر بمستقبل سينما المرأة، بفيلم «678» الذي يظهر المرأة كضحية للمجتمع المتحرش بالأنثى، ثم «بنتين من مصر» الذي يناقش قضية تعانيها بنات كثيرات وهي العنوسة، و{واحد صفر» الذي يبيّن الاضطهاد الذي تعانيه المرأة».