في مؤتمر دولي انعقد قبل أيام قليلة في دولة أوروبية غضب "مبعوث" عربي غضبة غضنفرية لأن زميلا له وصف دولته بأنها دولة "فاشلة"، وكاد يبطش به على طريقة ما تربى عليه في ذلك العهد غير الميمون الذي أوصل بلداً عربياً إلى ما وصل إليه بعد أن سلم عنقه للغزو الأميركي، وفتح أبوابه للتدخلات الخارجية، وغدا شعبه نهبا للأطماع الإقليمية، وبات أبناؤه ينامون على الطوى، بينما هو يعوم فوق بحور من النفط ويسبح في مياه أهم نهرين عظيمين جعلاه "يتبغدد" في بحبوحة عيش استمرت على مدى حقب التاريخ قبل أن يبتليه الله بأنظمة جاهلية حولت شعبه إلى شعب مشرد حتى في وطنه!! 

Ad

وبالطبع فإن هذا الذي كاد يبطش بـ"شقيقه" العربي الذي وصف دولة بلده بأنها غدت دولة "فاشلة" كان يدافع عن النظام الذي أصبح يحكم هذا البلد، الذي كان عظيماً قبل أن ينهكه جراد الانقلابات العسكرية، الذي عاد رموزه من رحلة المنافي المريحة فوق ظهور وحوش الحروب التي جاءت من وراء بحور الظلمات، فاستكملوا تدميره وإهانته وإفقار شعبه، ومزقوه شر ممزق، وأعادوه قروناً متعددة إلى الوراء، وكأن عاصمته لم تكن عروس العواصم، وكأنه لم ينجب خيرة الكفاءات العربية، ولم يعط هذه الأمة إنجازات كانت بالنسبة إلى الدول التي تقود شعوبها الآن خيرة الحضارة الكونية، وتعتبر من المعجزات وضربا من السحر وغريبة على "بشرية" تلك العصور المتقدمة البعيدة.

ما الدولة الفاشلة يا ترى إذا لم تكن هذه الدولة المعنية التي تغرق في الفشل حتى عنقها هي الفاشلة؟!

عندما يكون الفساد في هذه الدولة المشار إليها قد بلغ أرقاما فلكية، وعندما يكون الأمن معدوماً، وعندما تكون هناك حرب أهلية متصاعدة تصل أعداد ضحاياها شهريا إلى الألوف، وعندما يكون هناك شح في الماء والكهرباء، وعندما تكون هناك كل هذه الميليشيات الطائفية والمذهبية التي بعضها يتلقى تعليماته من الخارج... ألا يعني هذا أن هذا البلد يغرق في الفشل حتى عنقه، وأن أوضاعه أسوأ كثيرا من أوضاع الصومال؟!

ثم وعندما تكون زعامات هذا البلد متناحرة وكل واحد يغرس خنجره في خاصرة زميله، وعندما تكون لكل واحد من هؤلاء مرجعيته الطائفية الخارجية، وعندما تكون العملة المتداولة في بعض مدنه عملة غير وطنية، وتكون اللغة الغالبة في هذه المدن ليست اللغة العربية، وتكون أغلبية بضائع الأسواق غير وطنية... ألا يعني هذا أن هذه الدولة المعنية "فاشلة"، وحالتها أسوأ كثيراً من أكثر الدول فشلا في هذه المنطقة؟

وأيضا وعندما يكون أهل هذا البلد ينتظرون اللحظة السانحة لمغادرته والالتحاق بمئات الألوف من أشقائهم الذين أصبحوا لاجئين في بلاد الله الواسعة، ألا يعني هذا أن هذه الدولة المعنية هي دولة "فاشلة" وأن تخليصها من هذا الفشل يحتاج إلى عقود طويلة، ويحتاج إلى جهود جبارة وإلى قيادة من نمط يختلف عن أنماط القيادات التي أوصلتها إلى ما وصلت إليه؟

الآن أصبح العراق محطماً ومدمراً ويعاني من أوضاع مأساوية هي نتيجة تراكمات استمرت منذ ذلك الانقلاب الدموي في عام 1958 ألا يعني هذا أنه أصبح دولة فاشلة لها رئيس مقيم في أحد المستشفيات الألمانية ولا يستطيع أي كان استبداله وتغييره، ولها رئيس وزراء أصبح إمبراطوراً يستمد قوته من مرجعيته الطائفية، ويرفض التخلي عن موقعه حتى لو لم يبق حجر على حجر في هذا البلد؟

هل سورية بعد نحو ثلاثة أعوام من الدمار والخراب ومن تحولها إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وبعدما غادرتها كل هذه الأعداد من أبناء شعبها الذين غدوا لاجئي مخيمات في الدول المجاورة والبعيدة، لم تصبح دولة فاشلة تحتاج إعادتها إلى ما كانت عليه قبل سلسلة الانقلابات العسكرية التي بدأت في عام 1949 إلى جهود جبارة وسنوات وعقود طويلة بالفعل؟!