أثار محتوى جلسة الأدب الجغرافي على طريق الحرير أسئلة متعددة تتعلق بتحول مسار أدب الرحلات وتخلصه من الكتابة الكلاسيكية ليتخذ شكلا جديداً يمزج بين الواقع والخيال والبحث ضمن لغة أدبية شعرية. جاء ذلك ضمن الجلسة الثالثة في ملتقى مجلة العربي «الثقافة العربية على طريق الحرير»، في فندق جي دبليو ماريوت، وأدارت الجلسة الوكيلة المساعدة لشؤون التخطيط والتنمية في وزارة الإعلام د. هيلة المكيمي.

Ad

في البداية، تحدث الكاتب أشرف أبو اليزيد في ورقته البحثية «مدونات الرحلة المصورة على طريق الحرير» متتبعاً الطريق براً، مبيناً أنه اسم جامع لخطوط القوافل المنقولة براً من الصين وإليها في أقصى الشرق، مروراً بالقارة الآسيوية غربا، وصولاً إلى قلب أوروبا، وأن طريق الحرير كان محفوفا بالمخاطر والمتاعب في بعض أجزائه، لاسيما في وجود التقلبات السياسية المتنوعة، وقد سبق للصينيين بأقوامهم الغالبة وأقلياتهم على حد سواء، ممارسة التبادل الاقتصادي والثقافي مع الأمم القاطنة في آسيا الوسطى، وغربها حاملين مع قوافل الإبل أفضل المنتجات لكل بر تعبره. فمن الصين جاء الحرير والمخترعات الأربعة «البوصلة والبارود والورق والطباعة»، وإلى الصين ستعود القوافل بالعنب والجوز.

صنيعة الإنسان

واستطرد أبو اليزيد متحدثاً عن طريق الحرير معتبراً أنه مسلك فوق الرمال، وممر بين الجبال، ودرب يقطع الفيافي، وجسر يعبر الأنهار، وحياة كاملة فوق قافلة تمضي شهورا من مكان إلى آخر، لكنه قبل ذلك كله صنيعة الإنسان.

 وتابع: «لكن التوثيق المصوّر لطريق الحرير قد بدأ بعد اندثار ذلك الدرب الشهير بقرون، فنحن نتحدث عن عصر بدأت فيه الحدود السياسية، والنزاعات العرقية، والهيمنة المعولمة تتحكم في جسد البشرية، فتقطع أوصالا وتزرع جيوبا ناتئة فتتت هذا التواصل. صحيح أن هناك محاولات لاستعادة طريق الحرير، سياسيا، وتجاريا، ورياضيا، وفنيا، إلا أنها لا تنكر جميعها أن حلم استعادة الطريق كأنه أصبح مستحيلا».

وبدوره، تحدث الباحث نوري الجراح في ورقته البحثية «ارتياد الآفاق أدب الرحلة بوصفه فضاء للتواصل والتعارف عبر التجارة والعلم»، مشيرا إلى أن هذا النوع من الأدب لعب دوراً اساسيا في توثيق الصلات الثقافية مع الآخر ممتدحاً تجربة مجلة العربي ضمن هذا السياق، وتساءل الجراح هل ما نناقشه اليوم ترف فكري أو مسألة حيوية.

وبشأن محتوى أدب الرحلات قال الجراح إنها شهدت مخاضات متنوعة وأوهاما وعلوما وخيالا عكست النصوص الأساسية، إذ إنها ليست لمجرد التوثيق للمكان أو الزمان بل هي رصد دقيق لمكونات الحضارة الإنسانية.

وتحدث عن التحولات التي طرأت على أدب الرحلات الكلاسيكية، لاسيما بعد ظهور وسائل النقل الحديثة والتقدم التكنولوجي الذي اجتاح العالم وأحاله إلى قرية صغيرة، موجزاً حديثه أن نص القافلة لم يعد حاضراً في وجود البواخر والطائرات والكاميرات.

ولفت إلى أن أدب الرحلات لم يتم تبنيه من جهة معينة، بل استمر بفضل الجهد الفردي بعيداً عن مظلة أي مشروع لدولة ما أو جهة خاصة.

نقاش

ثم فتح باب النقاش، وأثار حضور الندوة مجموعة أسئلة لفت انتباههم إليها حديث المحاضرين، إذ أشار الكاتب عبدالمحسن مظفر إلى أن ثمة مجموعة من الكويتيين واليمنيين استقروا في بلدان كالهند واندونيسيا أثناء رحلاتهم، متمنياً تسليط الضوء على هذه النماذج، وبدوره، قال الشاعر السعودي محمد الجلواح إن السفراء راهناً يكتبون أدب الرحلات، بينما استعرض الباحث صالح المسباح مشواره مع التوثيق مبيناً أنه قدم 13 حلقة إذاعية تعنى بأدب رحلات الحج، وفي مداخلته ركز يوسف بكار على اهمال الرحالة المعاصرين وكذلك الرحالة المسلمين من غير العرب.

وفي جلسة أخرى، أدارها رئيس مجلس أمناء مؤسسة جائزة البابطين، عبدالعزيز سعود البابطين وحاضر فيها الدكتور سعود العصفور والدكتور طارق عبدالله ضمن جلسات اليوم الأول من أعمال الملتقى، أكد د. سعود العصفور أن الحديث عن المخطوطات والوثائق يشتم منه الباحث والمراقب عبق تراث السنين لحضارات زاهرة، ساهمت مدنها في دور فاعل في شتى العلوم الإنسانية، معتبراً أن عبور القوافل التجارية ذهابا وإياباً على طريق الحرير وتشعباته التي تكاد تغطي القارة الآسيوية كلها وأجزاء كبيرة من قارات أخرى، أضحى معبراً لتداول كل حاصلات الشرق والغرب، وكانت المخطوطات تنقل معها.

وأضاف العصفور إذا كان الحرير هو السلعة الرائجة في طريقها هذا، فإن المخطوطات والوثائق لا تقل رواجاً عن الحرير، فلا تكاد تخلو مدينة من مدن ما وراء النهر كطقشند، وسمرقند، وفرغانة، وبخارى، وترمذ، ومرو، وبلخ، وهرات، ونيسابور، وجرجانية، من خزائن تحتوي على نفائس المخطوطات وأقدمها، ولايزال الشرق والغرب يستفيد منها، ويبدو هذا جلياً للمتخصص في تاريخ تلك المنطقة، وما قامت عليها من حضارات، وتحظى هذه المناطق بمرتبة مرموقة بين الدول الأكثر ثراءً بشأن المخطوطات إذ تأتي بالمرتبة الرابعة عقب تركيا ومصر وإيران.

إرث ضخم

وبشأن السبل التي تم فيها تناقل هذا الإرث الضخم، أوضح العصفور أن هذه المخطوطات صمدت في وجه التدمير، لاسيما في فترة الاجتياح المغولي «الهمجي» إذ تم نقل هذا الإرث إلى جهات أكثر أمناً، لافتاً إلى أن طريق الحرير كان جسراً للتواصل الحضاري بين شعوب المناطق التي سارت عبره، ووصلت إليه وكانت المخطوطات التي ألفت في شتى العلوم أحد جسور التواصل الثقافي قديماً وحديثا.

وتناول الدكتور طارق عبدالله عبر ورقته رحلة ماركو بولو متوقفا عند محطات مهمة من هذا المشوار.