من اتجه نحو محور آسيا؟ بوتين!

نشر في 28-05-2014
آخر تحديث 28-05-2014 | 00:01
 واشنطن بوست يوم الأربعاء الماضي حصل التحول نحو محور آسيا أخيراً، نحن لا نتكلم عن الولايات المتحدة بل إن روسيا هي التي اتجهت شرقاً، ففي شنغهاي وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ على اتفاق ضخم في مجال الطاقة على أن يتم تصدير غاز طبيعي سيبيري بقيمة 400 مليار دولار إلى الصين خلال فترة 30 سنة.

إنها صفقة ضخمة ومن خلال الربط الدائم بين المنتِج والمستهلك- يكلف مشروع خط الأنابيب وحده 70 مليار دولار- خسر التهديد الغربي بتخفيض الواردات الأوروبية من الغاز الروسي بعد أحداث أوكرانيا معناه، وهو تهديد فارغ أصلاً لكنه يبقى عالي النبرة، لقد أثبت بوتين بكل حزم أنه يستطيع التوجه إلى أماكن أخرى.

على صعيد آخر جعل الاتفاق الروسي الصيني المزاعم الأميركية بعزل روسيا بسبب أحداث أوكرانيا محط سخرية، حتى ألمانيا لا تريد أن تجازف بقطع علاقاتها جدياً مع روسيا- وهذا ما يفسر غياب أي عقوبات قاسية- وها هو بوتين يكشف الآن بكل فخر عن شراكة مدتها 30 سنة في مجال الطاقة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يا لها من عزلة!

تبدو المقارنة مع توجه الرئيس أوباما المزعوم نحو محور آسيا محرجة من دون أن نذكر خط أنابيب كيستون مع كندا، فهو ذهب إلى اليابان في الشهر الماضي سعياً إلى عقد اتفاقية تجارية كبرى من شأنها أن ترسّخ تحالفاً استراتيجياً محورياً، لكنه عاد إلى دياره خاوي اليدين.

هل يفهم فريق السياسة الخارجية التابع لأوباما ما يحصل فعلاً؟ بالنسبة إليه، يبدو التحالف الروسي الصيني مجرد مناورة رجعية لتغيير ميزان القوى، وهي تحصل على يد رجلين يعيشان في زمن الماضي، وتحديداً القرن التاسع عشر، ويغفلان عن وقائع القرن الحادي والعشرين المبنية على القانون والمعايير، نحن في زمنٍ يمتنع فيه الناس مثلاً عن إلحاق أرض دولة مجاورة ببلدهم، فيلوم أوباما روسيا والصين لأنهما لم تلتزما بواجباتهما كشريكتين أساسيتين في هذا العالم المتداخل الجديد.

يمكن أن يتجاهل الصينيون والروس تلك المواقف بكل بساطة، فهذه المعايير والقوانين لا تعني لهم شيئاً، ولا شك أنهم سينضمون إلى منظمة التجارة العالمية للاستفادة من المنافع التجارية، قبل أن يمارسوا حيلهم بفضل التجسس الإلكتروني والقرصنة الفكرية، فهم يعتبرون تلك المعايير المزعومة مجرد أشكال مقنّعة من الإمبريالية وامتداد ذكي للهيمنة الغربية التي تهدف إلى إبقاء روسيا في موقعها الضعيف الذي تلا الحقبة السوفياتية، واحتواء الصين بالاتكال على جيش أميركي قوي.

يكتفي أوباما بتعداد قواعد معاصرة بينما تتحرك روسيا والصين بدافعٍ من النزعة القومية المتجددة، بناءً على الخرائط القديمة، ويتحدث بوتين عن أوكرانيا الشرقية والجنوبية عبر استعمال المصطلح القديم الذي كان شائعاً في عهد القياصرة: "روسيا الجديدة"، ويبرر وزير الخارجية الصيني المطالبة بأراض شاسعة، بما ينتهك القانون البحري، من خلال عرض الخرائط التقليدية التي تمنح الصين الحق بفرض سيطرتها على بحر الصين الشرقي والجنوبي.

هذا ما يزيد أهمية الاصطفاف بين أبرز قوتين معاديتين للغرب في العالم، فهو يعكس تغييراً كبيراً في ميزان القوى العالمي، ويبدو توجه بوتين إلى شنغهاي شبيهاً بتوجه نيكسون إلى الصين، لكنه ليس بمستوى المفاجأة التي أحدثها هنري كيسنجر سراً، ومع ذلك يأتي هذا الاتفاق لتتويج تقارب تدريجي يشهد وتيرة متسارعة الآن بين روسيا والصين، وهو يبطل مفعول ما حققه كيسنجر ونيكسون.

أدى انقلابهما الاستراتيجي في عام 1972 إلى قلب الطاولة الجيوسياسية على موسكو، لكن ها قد قلب بوتين الآن الطاولة نفسها علينا، فتشكل الصين وروسيا معاً أساس تحالف جديد بين أنظمة استبدادية غير ديمقراطية تتحدى وضع المراوحة الذي فرضه الغرب بعد الحرب الباردة، وتعكس شراكتهما المتطورة أول ظهور لتحالف عالمي ضد الهيمنة الأميركية منذ سقوط جدار برلين.

خلال مؤتمر التعاون الآسيوي الأسبوع الماضي اقترح شي جين بينغ نظاماً أمنياً جديداً للقارة على أن يشمل روسيا وإيران ويستثني الولايات المتحدة، إنه تحدٍّ مفتوح للعالم الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة بعد حقبة الحرب الباردة، وهو العالم الذي ورثه أوباما ثم قام بإضعافه بما يفوق التصور.

إذا استُكمل هذا النهج فسينتهي ربع قرن من النظام الأحادي القطب، وسينذر هذا الوضع بالعودة إلى شكل من القطبية الثنائية (تحالفان عالميان: واحد حر والآخر يفتقر إلى الحرية). لكن نظراً إلى زوال الشيوعية، لا يبدو هذا النظام صلباً في بنيته أو خطيراً من الناحية الإيديولوجية بقدر القطبية الثنائية التي سادت خلال الحرب الباردة، ولن تكون المعركة متواصلة حتى النهاية بل سينشأ صراع لفرض السيطرة والهيمنة.

يقف أوباما أمام هذا المشهد من دون تحريك أي ساكن، أو ربما يغفل عما يحصل، مع أنه هو من قال إن "أي بلد يجب ألا يحاول الهيمنة على بلد آخر"، فلا يزال توجّهه نحو محور آسيا مجرد كلام في الهواء، لكنّ انسحابه من الشرق الأوسط- حيث تراجع النفوذ الأميركي إلى أدنى مستوياته منذ 40 سنة، من مصر إلى المملكة العربية السعودية، ومن ليبيا إلى سورية- أصبح أمراً واقعاً.

ترافق الانسحاب مع اقتراح أوباما تخفيض الإنفاق الدفاعي بنسبة كبيرة- سيتراجع إلى أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2017- وذلك رغم إقدام روسيا على إعادة التسلح وحرص الصين على إنشاء جيش متطور سيتمكن قريباً من منع الولايات المتحدة من دخول مياه حافة المحيط الهادئ.

التراجع ليس ظرفاً بل هو خيار، وفي هذه الحالة إنه خيار أوباما، ويبدو أنه المجال الوحيد الذي حقق فيه نجاحاً مبهراً!

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer

back to top