تلفزيون الواقع... دراما حقيقية أم تعرية للمجتمع؟

نشر في 17-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 17-12-2013 | 00:01
انطلق الموسم الثاني من برنامج {رايحين على فين؟} الذي يندرج ضمن تلفزيون الواقع، ورغم أن الموسم الأول لم يحقق النجاح المتوقع منه ويجمع النقاد على أن التجارة والربح يسيطران على هذه النوعية من البرامج، فإن القيّمين عليها يصرون على الاستمرار فيها بحجة أنها تنقل واقع المجتمع المصري اليوم بتشعباته وتعقيداته.
يؤكد منتج {رايحين على فين} محمد حفظي أنه أصرّ على إطلاق الموسم الثاني من البرنامج لرغبته في خوض تجربة الإنتاج البرامجي، لا سيما أن هذه النوعية جديدة على البرامج المصرية، وأن برنامجه يختلف عن باقي البرامج الواقعية التي تعتمد على المسابقات وتحقق نسبة مشاهدة عالية.

يضيف حفظي أن {رايحين على فين؟} يوثق حال المجتمع المصري بفئاته وطبقاته، من خلال تصوير الحياة اليومية للشباب المشاركين من بينهم: المسيحي والمسلم والعزباء والمطلقة والصعيدي والقاهري.

أما أبرز الصعوبات التي تواجهه فيحصرها بالمشتركين الذين لم يسبق أن وقفوا أمام كاميرات، بالإضافة إلى اضطراب الحالة الأمنية في الشارع المصري؛ إذ يتم تصويرهم في العمل والمنزل والأماكن التي يترددون عليها.

واقع درامي

يوضح الناقد عصام زكريا أن الواقع يتضمن بالفعل أحداثاً درامية مثيرة، وإذا تم بثها كما هي ستحقق نسبة مشاهدة مرتفعة، ويضيف: {تعتمد فكرة تلفزيون الواقع على عرض مشاهد واقعية من حياة الأشخاص، كونها تجذب المشاهد وتتمتع بمصداقية تختلف عن الأفلام والمسلسلات التي يكون بين مقدميها والمتفرجين اتفاق على أن هذا تمثيل أو لعبة، ولكن هذه اللعبة في تلفزيون الواقع مغطاة إلى حد ما؛ فيصدّق المشاهد الخدعة من خلال ظهور المشاركين فيها بأسمائهم الحقيقية، واستعراض حياتهم أمام الكاميرات}.

يشير إلى أنه، في إطار المسابقة والمنافسة على التصويت والاستغلال الإعلاني، تظهر محاولة لجذب الجمهور عبر تصوير الفضائح، {فتغلب التجارة والفبركة، ويبتعد البرنامج عن الواقعية، لأن ثمة اتفاقاً وراء الستار بين المنتجين والمشاركين على المبالغة في الأداء والاستعراض أمام الكاميرا، وتصويرهم داخل غرف النوم، وتخطيطهم لخناقات. لكن ما لا يعلمه القيمون على هذه البرامج أن الجمهور يصدق هذا الأداء في البداية ويبهره، ولكن مع مرور الوقت يكتشف الحقيقة وتضيع المصداقية}.

يعزو زكريا ارتفاع نسبة مشاهدة هذه البرامج إلى أن القيمين عليها يحاولون إرضاء نزعة التلصص والفضول لدى المشاهد من خلال التركيز على الفضائح في مشاعر الحب والغيرة بين الأبطال الذين يتحولون إلى شخصيات مشهورة بعدما كانوا مجرد مواطنين غير معروفين}.

يشيد زكريا بتجربة {رايحين على فين؟} مشيراً إلى أنها مختلفة من ناحية الاهتمام بالبُعد الاجتماعي والسياسي، وليست مجرد قصص فردية منزوعة السياق عن الأحداث التي يمر بها البلد، {إنما تلقي الأضواء على الظروف العامة وتأثيرها على الشباب  سواء كانت عادات وتقاليد أو ظروفاً طبقية، لا سيما أن المشاركين لا ينتمون إلى طبقات واحدة، ويبيّن هذا التفاوت كيف تفرض كل طبقة نوعية تفكير وسلوكيات مختلفة.

يتابع: {تصوير البرنامج في الأماكن العامة وفي المنازل يجعله مختلفاً عن بقية البرامج التي يتم تصويرها داخل الاستوديوهات، فهو يترك المشاركين يعيشون حياتهم الطبيعية الواقعية في المنزل وموقع عملهم وفي الشوارع، ويتقابلون أحياناً في أماكن عامة، وإن كان ثمة ارتباك يحيط بهم، ولكن هذا طبيعي لأنهم ليسوا ممثلين، بل نماذج تعبر عن المجتمع ككل، ويمكننا قراءة مصر من خلالها}.

ترفيه ممنهج

يؤيد الإعلامي وجدي الحكيم فكرة تلفزيون الواقع في حال كان يرقى إلى مستوى المضمون الذي ينتظره المشاهد ويعرض الحياة الواقعية للبلاد التي يتم التصوير فيها أو التي ينتمي إليها المشتركون، ما يكسبه أهمية كبيرة، بعدما أصبح الواقع يحفل بأحداث، إذا أضيفت، فستلقى قبولا جماهيرياً أكثر من الدراما والسينما.

ينتقد الحكيم مستوى هذه البرامج بسبب اعتمادها على التهريج ما يسيء إلى الشباب، وصورتهم كجيل ينتمي إلى النماذج المعروضة على الشاشات، ويتمنى أن تتحول هذه البرامج إلى الواقع الحقيقي لهؤلاء الشباب؛ فتعرض دراساتهم وتصاميمهم لمختلف المشاريع، ولوحاتهم التي تعبر عنهم وعن فنهم، {لكن أن يظهروا وهم يضحكون مع بعضهم البعض، ويدفع أحدهم فتاة لتسقط على الأرض بغرض التسلية فهذا بعيد تماماً عن الواقع الحقيقي للشباب}، حسب تعبيره.

بدورها تقول الناقدة خيرية البشلاوي إنها لم تشاهد الموسم الأول من برنامج {رايحين على فين} ولكنه يشبه البرامج الواقعية في سماتها الأساسية، وتلويحها للشباب بفرص عمل، أو شهرة تمنحها لهم بشكل موقت، لأنهم يختفون بعد انتهاء البرنامج، وقد يخرج منها شاب واحد حقق حلمه وهدفه من المشاركة فيها، بينما يكون حظ باقي المشاركين أقل، {في الحالات كافة تنجح تجربة القيمين على هذه البرامج، لأن نسبة مشاهدتها تكون مرتفعة بهدف التسلية وحتى إن لم يتفق المشاهدون مع المحتوى المقدم فيها}.

تضيف أن هذه البرامج  يسيطر عليها الترفيه الممنهج الساعي إلى الربح من خلال الإعلانات التي تتخللها، وتحويلها إلى طُعم لاصطياد الشباب وجعلهم يتعلقون بها، {في المقابل تخلو من أي وسيلة لعرض الواقع الدرامي الذي نعيشه، وتهدف إلى تعرية المجتمع والتعرف إلى أعماق الشباب، بالإضافة إلى تعريف الخارج على التيارات الموجودة في البلد من دون الاستعانة بأجهزة مخابراتية، إنما بالمشاركين الذين يتسمون بالطيبة فيكشفون حياتهم كلها على الملأ}.  

ترى أنها {عملية مركبة تدخل فيها الميديا بأسلحتها كافة أبرزها سلاح الشهرة، إذ يستخدم الممولون المشتركين كبوسترات لبيع البرنامج، ولبساطة الجمهور العادي لا يتساءل ولا يبحث عن أهداف هذه البرامج}.

back to top