تقرير اقتصادي : لجان التحقيق في ملاحظات «المحاسبة»... خطوة إيجابية بشرط جديتها
يجب تعميمها على الوزارات وإعلان نتائجها وتنفيذ توصياتها
تكشف تقارير ديوان المحاسبة سنوياً عن مخالفات بملايين الدنانير دون أن يكون هناك أي دور حكومي حقيقي في التصدي لمعالجة تلك الملاحظات، حتى لو تكررت مراراً.
تشكلت هذا الأسبوع ثلاث لجان تحقيق وزارية للنظر في المخالفات التي رصدها ديوان المحاسبة في عدد من الوزارات، حيث شكل وزراء المالية والتجارة والمواصلات لجاناً للتحقق من ملاحظات الديوان على وزاراتهم أو القطاعات التابعة لها. هذه اللجان الثلاث تعبر عن آلية تعامل جديدة نسبيا مع المخالفات التي يثيرها ديوان المحاسبة على الوزارات وهيئاتها التابعة، وهو اتجاه محمود بلا شك، الا ان ثمة ملاحظات يمكن رصدها من اجل ان تكون نتائج هذه اللجان مثمرة وايجابية، كي لا تتكرر ملاحظات الديوان في كل سنة. تعميم التجربة كان من المفترض أن تكون هذه اللجان سياسة حكومية تشمل كل الوزارات، لا بمبادرة من 3 وزراء فقط، خصوصا ان ملاحظات الديوان شملت جميع الوزارات، وليس مقبولا ان تتابع بعض الوزارات الملاحظات بينما تتجاهلها الوزارات الأخرى... وهذه الملاحظات جزء منها اداري ومعظمها مالي، وبالتالي من اللازم متابعتها ومعرفة اسبابها، خصوصا انها شملت ملايين الدنانير من اموال الدولة. يجب ان تكون نتائج التقرير علنية كي يمكن للرأي العام الاطلاع عليها، مع تحديدها لآليات الخطأ والمخطئ، وان تتضمن حلولا عملية لمعالجة المخالفات ومنع تكرارها مستقبلا. صلاحية تنفيذية وكذلك يجب ان تكون لجان التحقيق ذات صلاحيات تنفيذية او يتعهد الوزير المختص بتطبيق توصياتها كاملة، فلا قيمة للجنة تضع توصياتها الفنية ثم يتجاهل الوزير تلك التوصيات، او يخضع لضغط سياسي لمحاباة هذا الوكيل او ذاك، خصوصا ان الضغوط السياسية تنتعش في مثل هذا القضايا لمنع محاسبة المتسببين بالاخطاء التي رصدها ديوان المحاسبة، لذلك يجب ان تكون قرارات اللجنة نافذة اما من اللجنة نفسها او يتعهد الوزير بتنفيذها دون ابطاء. ولمخالفات ديوان الحاسبة جانبان، الاول اداري والثاني مالي، وعليه يجب معاقبة من ارتكبوا المخالفات الادارية الجسيمة، لا ان نجدهم بعد فترة في مناصب اعلى من مناصبهم الحالية، كما يجب احالة اصحاب المخالفات المالية الى النيابة العامة للنظر في طبيعة هذه المخالفات. صورة إيجابية هذه الضوابط يمكن ان تكون قاعدة جيدة للبدء في معالجة تقارير ديوان المحاسبة اذا ارادت الحكومة ان تعطي صورة ايجابية عن اعمالها في معالجة المخالفات، اذ ان تلك التقارير تكشف سنويا عن مخالفات بملايين الدنانير دون ان يكون هناك لها دور حقيقي في التصدي لمعالجة الملاحظات مهما كان تكرارها. وذلك الاهمال الحكومي في معالجة ملاحظات ديوان المحاسبة جعلها، في وقت لاحق، مادة معتمدة في اي مساءلة للحكومة، حيث ادت الى مواجهات سياسية كان يمكن تلافيها لو كانت الحكومة تتعامل معها جديا وتحاول من عام لآخر خفض حجم ومقدار الملاحظات المالية والادارية على الوزارات والجهات التابعة لها، لان هذا سيكون مؤشرا على مكافحة الفساد الذي تتحدث عنه الحكومة دون مؤشر عملي على مكافحته. أهمية جدية الوزارات الثلاث في عملية التحقيق في تقارير ديوان المحاسبة وضرورة تعميمها على الوزارات كافة تنطلق من ان الحكومة التي تتحدث عن وجوب تغيير اسعار الخدمات كالكهرباء والبنزين وغيرهما يجب ان تعطي للمواطنين مثالا جيدا في الحد من الهدر، وبالتالي فإن معالجة الخلل في الوزارات سيكون مادة ايجابية في يد الحكومة للرد على من يتهمها بعدم وقف الهدر او التجاوزات. حاجة إلى المصداقية في السنوات الاخيرة باتت الحكومة تحتاج الى مصداقية اكثر من السابق كي تقنع الرأي العام بتوجهاتها، وربما كان العمل على معالجة مخالفات ديوان المحاسبة فرصة جيدة لإعطاء صورة ايجابية عن جديتها. ويعد ديوان المحاسبة، ربما، اهم جهة فنية في الدولة فدوره تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة لصونها ومنع العبث بها والتأكد من الاستخدام الأمثل في الأغراض التي خصصت لها، وهو جهاز مستقل وتابع لمجلس الأمة، وبالتالي يمثل دوراً رقابياً على اعمال الوزارات التي يجب ان تتجاوب معه في التفتيش، بحيث يمتد التعاون الى متابعة ملاحظاته لمعالجتها، وهنا يجب الحديث عن مخالفات متنوعة يكشفها ديوان المحاسبة سنويا حتى باتت متراكمة بلا علاج. اليوم ثمة «أمل» بسيط في ان تكون اللجان الثلاث، رغم محدوديتها، نموذجا لمعالجة الملاحظات، وبالتالي تعميم اعمالها على بقية الوزارات، خصوصا اذا كانت قواعدها فنية وسليمة وقراراتها نافذة.