إنهم يصنعون الآلهة

نشر في 20-12-2013
آخر تحديث 20-12-2013 | 00:01
 د. محمد لطفـي في البداية أتوجه بالشكر- نيابة عن جميع المصريين- إلى الانقلابيين وآلتهم الإعلامية وكتّابهم ومفكريهم على حال السعادة والضحك التي أصابت المصريين في الأسبوعين الماضيين، مع حديثهم عن شخصية العام انتهاء بالمشهد الكوميدي "الفارس" للشيخ الفريق حول أحلام الأوميغا والسيف الأحمر، ونسأل الله أن يجزيهم عنّا خير الجزاء ويجعله في ميزان حسناتهم.

***

اشتهرت الحضارة المصرية القديمة بتعدد الآلهة (قيل أكثر من مئة إله) ما بين الخير والشر والزرع والمطر والحب والجمال والقوة والغضب... إلخ، واشتهر المصريون بصناعتهم للآلهة وامتلأت المعابد المصرية القديمة بأشكال متعددة وأنواع مختلفة منها.

وبذلك أيضاً اشتهر العرب قبل الإسلام وكانت الآلهة تصنع من الخشب أو الحجارة وأحياناً من التمر (كنوع من المخزون الاستراتيجي للاستفادة منه وقت الحاجة).

وانتهى عصر مصر القديمة وتحولت إلى القبطية ثم الإسلام، وكذلك انتشر الإسلام في الجزيرة العربية وخارجها فاختفت الآلهة والأصنام من المعابد، لكن يبدو أن "الجين" المسؤول عن صناعتها في الجنس المصري والعربي لم يختف، وظل موجوداً وإن حمل الصفة "المتنحية"، وبالتالي يظهر بين فترة وأخرى إن كان في صورة "نقية"- كما يقول علماء الوراثة- وعند وجوده في صورته النقية تظهر الصفات الخارجية على حامله، وهي تتوزع بين النفاق والغباء والجهل والكذب ويتحكم جين صناعة الآلهة في سلوك حامليه وتصرفاتهم.

بعد انقلاب يوليو بدأ حاملو هذا الجين في الظهور مستخدمين مهاراتهم للتكيف مع ما يمثله هذا الجين من شفرات وراثية، فسمعنا من تقول لقائد الانقلاب حين طالب المصريين بالتفويض الشهير "أنت لا تطلب، أنت تأمر... ولا تأمر، أنت تغمز فقط"... آه والله هكذا قالت.

ولما كان حاملو هذا الجين يتميزون بالغيرة الشديدة فما إن سمع حديثها أحدهم حتى أسمعنا قول بن هانئ الأندلسي:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهار

(جاب من الآخر... كما يقول شباب "الفيسبوك").

ثم استعرت حمى الغيرة والمنافسة بين الجميع خصوصاً مع الحديث حول شخصية العام، فانطلق كورال حملة المباخر وضاربي الدفوف جماعات وأفراداً، وحاول الجميع إثبات مهارتهم وجدارتهم وتميزهم بوجود هذا الجين، فكانت المعلومات خاطئة والحقائق غائبة والادعاءات كاذبة، فهو الوفي الأمين (خان القسم..."أن أحترم الدستور والقانون")، وهو البر الرحيم (قتل مئات المصريين)، وهو العسكري الخبير (الحرب الوحيدة التي شارك فيها هي حرب "رابعة" و"النهضة")، وهو الورع التقي (يحقق أحلامه بالسيف)، وهو الخليفة المنتظر (عبدالناصر كان قائداً لمصر وللأمة كلها وغيره لم ينل تأييد نصف المصريين)، وهو... وهو... فهل يمكن سؤال حاملي الجين هل انتهت صفات الإله أم مازال هناك جديد؟!

وسؤال آخر هل يصير إلههم مثل آلهة العرب التي كانوا يصنعونها من التمر ليأكلوها حين يشتد بهم العوز والفقر، أم ينقلب إلههم ويصبح "بجماليون" العصر الحديث، ويقضي عليهم؟

وإلى مقال آخر إن كان للحرية متسع.

back to top