شاهدت كغيري تلك المداخلات الراقية لأبنائنا وبناتنا الشباب في جلسة البرلمان الطلابي، وكردة فعل فورية وتلقائية شعرت بأن هذا هو المجلس الذي يمثلني بعناصره اليافعة وكلماتهم الجريئة وعباراتهم النقية مقارنة بمجلس يعف اللسان عن وصفه ويشخّص أداءه المقرف.

Ad

فقد كان هؤلاء الشباب دقيقين في أطروحاتهم ويلامسون الهمّ اليومي للوطن والمواطن، ومن الواضح أنهم باتوا على درجة عالية من الإحساس بالمسؤولية في تشخيص مفاصل الخلل في بلدنا، والخطورة في هذا البعد تكمن في أن هذه الشريحة الطلابية هي نبض الشارع وانعكاس لطريقة تفكير أكبر قطاع مجتمعي، وتلك الطريقة التي تتدفق منها مشاعر الغضب وتأكيد مدى الدمار الذي لحق بالبنى الإدارية والمؤسسات الحكومية والرؤى المستقبلية.

شخصياً توقعت بعد مشاهدة تلك الجلسة الطلابية في البرلمان أن يخجل الكثير من النواب من أنفسهم بعد أن يقارنوا أداءهم وسلوكهم وهزيل خطابهم مع ما تفوق به عليهم بنات وأولاد الثانوية، ويقرروا بعدها عدم الاقتراب حتى من بوابة مجلس الأمة في اليوم التالي!

لكن اليوم التالي للبرلمان الطلابي كان يوماً آخر بحلة جديدة وجلسة تاريخية فاقت كل التوقعات وبمسرحية "ماصخة" أخرى، وكأن لسان حال أغلبية الأعضاء يقول بإصرار نعم نقدر نكون "أردى من جذي"! ولا أقصد هنا قلة الأدب في الخطاب أو محاولة تصنّع البطولات وحركات "الآكشن" التي عفا عليها الزمن، ولكن النهج المنظم والمتعمد للقضاء على ما تبقى من روح الدستور وهيبة التمثيل الديمقراطي والقدرة على ردع الفساد، وخاصة البرلماني بشقيه التشريعي والرقابي.

شطب الاستجوابات وإجهاض مبدأ المساءلة السياسية لم يعد أمراً مألوفاً في المجلس الحالي أو يعد سابقة برلمانية فحسب، ولكن تهافت هذا الرقم الكبير بواقع (40) عضواً هو المثير للشفقة، فمجلس 2009 شطب استجواباً لرئيس الوزراء وألغى محاور من استجوابات أخرى وأحال البعض الآخر منها إلى المحكمة الدستورية واللجنة التشريعية، ولكن ذلك كان يمرر بطلعة الروح وبضغوط ومغريات حكومية كثيرة.

أما أعضاء المجلس الحالي فيزعلون إذا ما صنفوا بالحكوميين من الدرجة الثانية، والرقم (40) تحول إلى كتلة واحدة تدار برمشة عين أو بلمسة آي فون، وهذه ليست نقيصة بحق هيبة الديمقراطية إنما للحكومة التي يكفيها (15) عضواً لتفعل ما تشاء ومتى ما تشاء، وكيفما تشاء، ولكن يبدو أنها تريد كسر عين الشعب من خلال نوابهم.

خطوة بعض الاستقالات الفردية قد تقبلها المشاعر والأخلاق والمبادئ العامة، وخروج بعض النواب من هذا المجلس الفاشل من المؤكد أنه يحفظ ما تبقى من ماء وجه الحياء، ولكن العقل قد يقول إن بقاء هؤلاء النواب رغم مرارة المعاناة والإحساس بالغربة هو شوكة لا بد من أن يستمر ألمها في بلعوم هذا المجلس التعيس لينكد على أغلبيتهم أكثر وأكثر، ويكشف أوجهاً أخرى لقبر الدستور وكرامة الديمقراطية!