في منتصف أبريل الماضي انعقد في إسطنبول اجتماع لقادة "التنظيم العالمي للإخوان المسلمين"، وقد تناقلت وسائل الإعلام مداخلة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية (الإخوان المسلمين) في تونس التي انتقد فيها تعامل الإخوان في مصر مع الثورة وطريقة إدارتهم للحكم، ونظراً لأهمية ما قاله الغنوشي الذي لا يمكن المزايدة على مدى التزامه بالخط الفكري والسياسي للإخوان كونه من كبار قادتهم، فإنه من المناسب التوقف عند بعض النقاط التي أثارها في مداخلته، فماذا قال؟
يقول الغنوشي "لم تكن تجربة الإخوان في مصر مع بداية ثورة الشعب المصري منذ الأيام الأولى لثورة 25 يناير تمضي في طريقها الطبيعي، بل لاحظت أن ارتباكا كبيرا وترددا عميقا يسود قيادة الإخوان في مصر، لقد التحق الإخوان كغيرهم بالجماهير بدلا من أن يقودوها، وعندما التحقوا بالثورة كان الموقف ضبابيا، فالبعض شارك والبعض ساوم، وهناك من فاوض عمر سليمان".ويضيف "كل الأحزاب وفي طليعتهم الإخوان المسلمون كانوا يساومون النظام على تغيير شكله وليس جوهره... لقد حصلت انتخابات مجلس الشعب، ثم أعلن الإخوان أنهم لا يفكرون مطلقا بالتنافس على رئاسة الدولة، فقلت إن هذا موقف عظيم وحكيم، لكن الأمور سارت عكس ما قالوا، حيث مارسوا الهيمنة على المجلس، فشكلوا لجانه وفق رغباتهم ومصالحهم، فلم يراعوا للحظة باقي شرائح الشعب المصري التي صنعت الثورة. لم ير المواطن المصري فيما حصل سوى استبدال الحزب الوطني المنحل بالإخوان، إن هذا يعني أنهم لم يكونوا قريبين من نبض الشارع المصري، ولم يحققوا شيئا مما ناضل الشعب المصري من أجله، غايتهم كانت السلطة والمناصب، فاستأثروا بها بطريقة أكثر فجاجة من طريقة مبارك ونظامه وسيطر عليهم الغرور".ثم يقول "إن نتائج انتخابات مجلس الشعب في مصر لمن يريد أن يقرأها قراءة دقيقة لم تعكس قوة وأغلبية الإخوان المسلمين في مصر، فلم تكن سوى تعبير عاطفي من الشعب المصري، لهذا جاءت النتيجة على شكل انتخاب "طيشة النصر"، الإخوان لم يأتمنوا أي طرف وعاشوا أجواء المؤامرة، وتقوقعوا على أنفسهم وانحصروا وتحاصروا، وابتعدوا كثيرا عن الشارع الذي كان ينتظر الكثير منهم، ولكن للأسف انشغل الإخوان بأمور الدولة ليتمكنوا منها وابتعدوا عن الشعب فعزلهم".ويكمل الغنوشي "كانت الصدمة الأكبر عندما أخذهم الغرور كثيراً فأرادوا أن يحكموا سيطرتهم على مفاصل الدولة كلها بأدوات قاصرة وعلى كل الصعد، فقرروا المشاركة في انتخابات الرئاسة بترشيح الشاطر ثم تغييره لمرسي، لقد بادرت واتصلت بهم حذرتهم من هذه الخطوة، وقلت لهم إن الوضع غير موات، فلا تمسكوا بكل أوراق اللعبة وحدكم... لقد كانت الجماعة تعيش حالة من الغرور الذي لا يوصف، لقد خدعوا أنفسهم قبل أن يخدعوا غيرهم... وقد كانت الصدمة كبيرة عندما لم يحصلوا على أكثر من خمسة ملايين صوت في الجولة الأولى، فأدركت وأدرك معي الآخرون أن الشعب المصري بدأ حسابه مبكرا مع الإخوان، وأن باب الحساب لن يغلق بعد اليوم... وبدأت الفجوة بينهم وبين الشعب المصري تتسع بعد أن أصبح هناك رئيس ينتمي إلى الإخوان، وهو عضو في مكتب الإرشاد، وشكّل حكومة راحت تسرع وتتصارع من أجل تمكين الإخوان من مفاصل الدولة المصرية. لقد واصلوا العمل في الرئاسة والحكومة بطواقم إخوانية صرفة لا خبرة لها في إدارة الدول، والشعب كان يغلي بينما قادة الإخوان لا يعيرون أي اهتمام لذلك، واستهتروا بالشعب وتحركاته ومطالبه وخاضوا معاركهم الجانبية، لكن الحقيقة هي أن الشعب المصري لم يعد يرى أي فرق ما بين فلول مبارك ودولة الإخوان... كان الجيش يراقب ويتدخل هنا وهناك، والتقى قادته بالرئيس وقادة الإخوان، لكنهم لم يستجيبوا لمطالبهم، ولم يتجاوبوا مع أدناها لأن اللحظة النرجسية والغرور الإخواني كان مسيطرا، فلم يستمعوا لأحد وابتعدوا عن استخلاص العبر".ثم يدعو الغنوشي إخوان مصر إلى "أن يعيدوا التفكير وأن يشاركوا في العمل السياسي وأن ينخرطوا في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فأخشى ما أخشاه ألا نجد في القريب والمستقبل المنظور تنظيم الإخوان التاريخي في مصر، حيث إن الأغلبية العظمى من شبابه قد بدأت تنخرط وتتعايش مع التنظيمات الجهادية والسلفية المنتشرة في مصر ومحيطها، وأن الإخوان سيجدون أنفسهم رهينة في يد هذه التنظيمات".
مقالات
ماذا قال الغنوشي عن «الإخوان» في مصر؟
26-05-2014