المستثمرون يتجاهلون ثورات الشعوب ويشترون مزيداً من الأصول في الأسواق الناشئة

نشر في 14-12-2013 | 00:04
آخر تحديث 14-12-2013 | 00:04
No Image Caption
من الواضح أن الأسواق الناشئة تعافت أو أن ذلك ما تم دفع المستثمرين إلى تصوره. ومع ما يحدث في أوكرانيا وتايلند وهما المركزان المحببان للأسواق الناشئة في أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا، نشهد أن الاحتجاجات في البلدين قد استهلكتا بسرعة الأسس السياسية والاقتصادية فيهما.
حتى الآن تجاهل المستثمرون في الأسواق الناشئة الاحتجاجات الواسعة التي تجتاح أوكرانيا وتايلند، ولكنهم إذ يفعلون ذلك انما يقامرون بأموالهم.

إن من غير المقبول أن يستخف المستثمرون في الأسواق الناشئة بأثر الاحتجاجات الشعبية في تايلند وأوكرانيا خلال عطلة نهاية الأسبوع. وتتمحور تلك الاضطرابات التي يبدو عدم وجود علاقة بينها حول قضايا سياسية متجذرة ظلت بلا حل، وكانت تعتمل طوال سنوات. وإذا تفجرت واحدة منهما فإن التداعيات المهلكة الناجمة عنها يمكن أن تفرز عواقب اقتصادية خطيرة على الدول المجاورة، وتؤثر بالتالي على المستثمرين.

لقد كان التذبذب هو سمة الأسواق الناشئة، خصوصا هذا العام، مع تعثر النمو في الصين والثورات السياسية المقلقة في البرازيل ومصر. وقد دفعت المخاوف من قيام الولايات المتحدة بخفض برنامج شراء السندات مؤشر الأسواق الناشئة ام اس سي آي الى الهبوط خلال الصيف ليرتد صاعدا بسرعة بعد ذلك، عندما قرر مجلس الاحتياط الفدرالي بصورة غير متوقعة الاستمرار في ذلك البرنامج. وعلى الرغم من تراجع مجلس الاحتياط الفدرالي فإن مؤشر ام اس سي آي لايزال منخفضاً بنسبة سنوية تبلغ 5.3 في المئة. ويمكن مقارنة ذلك مع مؤشر اس أند بي 500 الذي ارتفع بنسبة 27 في المئة خلال الفترة ذاتها.

ولكن السعي لتحقيق أرباح أعاد المستثمرين إلى الأسواق الناشئة مع تدفق المليارات من الدولارات من المستثمرين الأميركيين والأوروبيين. وارتفع سوق الأسهم «مارفل» في الأرجنتين، على سبيل المثال، بحوالي 70 في المئة مننذ شهر يوليو الماضي، فيما باعت شركات الأسواق الناشئة ماقيمته 71 مليار دولار من السندات في الفترة ما بين شهري يونيو ونوفمبر، وذلك وفقاً لـ»ديلوجيك». ومن الواضح أن الأسواق الناشئة تعافت أو أن ذلك ما تم دفع المستثمرين إلى تصوره.

أسواق ناشئة

ومع ما يحدث في أوكرانيا وتايلند وهما المركزان المحببان للأسواق الناشئة في أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا نشهد أن الاحتجاجات في البلدين قد استهلكتا بسرعة الأسس السياسية والاقتصادية فيهما وهي تهدد بتحول آخر يحيق بمستثمري الأسواق الناشئة.

في تايلند، أعاق الفساد على أعلى مستويات السلطة الاحتمالات السلمية للنمو الاقتصادي في البلاد طوال ما يقارب العقد من الزمن. وقد سئم الناس ذلك الفساد، وخلال عطلة نهاية الأسبوع وبعد أسابيع من الاحتجاجات، تمكّن الناس من دفع رئيسة الوزراء الى حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة. وتستمر الاضطرابات في بانكوك مع رفض رئيسة الوزراء التنحي قبل الانتخابات.

وفي أوكرانيا، أفضت الصراعات السياسة الداخلية بين الموالين الى أسيادهم الروس السابقين وبين من يريدون إقامة علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي إلى جعل البلاد في حالة شلل اقتصادي، ولكن الاحتجاجات هناك تفاقمت خلال عطلة نهاية الأسبوع بعد أن ألغت الحكومة اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي بطلب من روسيا التي تريد ابقاء اوكرانيا في فلكها. ويسعى الأوكرانيون الوطنيون إلى اجراء انتخابات جديدة، بغية التمكن من تطهير حكومتهم من مسؤولين يعتقدون أنهم يضعون مصلحة روسيا فوق مصالح الشعب الأوكراني، وقد تفاقم القتال يوم الثلاثاء الماضي بعد احتلال المحتجين للساحة المركزية في العاصمة كييف.

ولكن يبدو أن المستثمرين غير مبالين بهذه التطورات المقلقة، وفي حقيقة الأمر، فإن مؤشر الأسواق الناشئة ام اس سي آي ارتفع يوم الاثنين الماضي. كما ارتفع مؤشر روسيا سوق فيكتورز روسيا، وهو الأهم فيها بنسبة 0.75 في المئة يوم الاثنين الماضي، وذلك على الرغم من قيام المحتجين الأوكرانيين بتحطيم تمثال لينين في وسط كييف خلال عطلة نهاية الأسبوع. وقد ارتفع مؤشر سوق أسهم تايلاند أيضاً بنسبة 0.43 في المئة يوم الاثنين الماضي. وتشير الأرقام القوية الى أن كل شيء على ما يرام، رغم أن ذلك ليس حقيقة الحال. ويبدو أن بعض المستثمرين أصابهم «إعياء الاحتجاج» واختاروا ببساطة تجاهل ما يحدث في اوكرانيا وتايلند.

وينبع ذلك التعب من طوفان ثورات «قوة الشعب» في عدد من الأسواق الناشئة هذه السنة وقد أخفق العديد منها. ومن الواضح أن الأسواق تعتقد أن الحصيلة ذاتها ستنسحب على تطورات أوكرانيا وتايلند أيضاً.

وعلى سبيل المثال، لم تدفع اطاحة الحكومة بانقلاب عسكري في مصر الى تدهور الاقتصاد فيها. وفي حقيقة الأمر بدا ذلك كأنه اعادة النظام الى ما يشبه حالة الفراغ السياسي الفوضوي السائد في أعقاب الإطاحة بحسني مبارك في سنة 2011. وفي غضون ذلك فشل ما يدعى «ثورة السلطة « في البرازيل في الصيف الماضي في عرقلة خطط التنمية الاقتصادية بأي صورة بارزة. وبعد وقت قصير من هدوء الاحتجاجات في شهر يوليو أصدرت البرازيل ما قيمته 3.5 مليارات دولار من السندات الى شريحة من المستثمرين التواقين الى الأرباح في الأسواق الناشئة.

احتجاجات سياسية

ويبدو أن تراجع حدة الاحتجاجات في مصر والبرازيل أعطى مستثمري الأسواق الناشئة شعوراً زائفاً بالأمان. وفي حقيقة الأمر لم يتم حل أي شيء في أي من البلدين وتظل مجموعات المعارضة منظمة. وقد تستقر الأوضاع ولكن جذور الاحتجاجات هناك تتمحور حول قضيتين متناميتين ومقلقتين -تباين الدخل والفساد السياسي- ويبتلي عدد من دول الأسواق الناشئة بهما بما في ذلك تايلند واوكرانيا.

 وحسب محللين في سيتي بنك «خلال السنتين الماضيتين شهدت الهند وروسيا والبرازيل ومصر وتركيا واندونيسيا أكبر احتجاجات سياسية خلال عقود. وفي غالب الأحيان فإن الاحتجاجات تولد احتجاجات، وتصبح أكثر شيوعاً في الفترة التي تسبق الانتخابات التي ستجري في العديد من تلك الدول في السنة المقبلة».

وما لم يتم التوصل الى حل من نوع ما للقضايا الأساسية المسببة للثورة، فإنها ببساطة ستعاود الظهور ثانية وثالثة حتى تنفجر الأوضاع. لقد كانت اوكرانيا وتايلند تجاهدان إزاء قضاياهما لسنوات، ويبدو أن الناس قد سئمت أخيرا من الانتظار. وسوف تعني الانتخابات الجديدة في تايلند أسابيع من مزيد من الاحتجاجات. وفي غضون ذلك، يبدو أن الشعب في اوكرانيا مصمم على فرض انتخابات بالقوة.

ومن المقرر أن تفضي انتخابات في مصر للحلول محل الحكومة العسكرية بشكل مؤكد إلى اندلاع ثورات جديدة، بينما تؤدي الانتخابات في البرازيل في شهر اكتوبر المقبل الى صيف مثير للاهتمام. وتبدو الأسواق الناشئة غير مستقرة سياسياً بقدر أكبر من أي وقت مضى.     

* (مجلة فورتشن)

back to top