بالرغم من تطور الحياة الأدبية في العالم، وثورة المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي، فإن هناك منْ لايزال يعتقد أن الأجناس الأدبية تنحصر في القصة والرواية والشعر والمسرح، لكن واقع النشر، وتحديداً في العالم الغربي يخالف تماماً هذه القناعة، وزيارة واحدة لأي مكتبة في الغرب، تتيح للزائر أن يقف على عدد كبير من الأجناس الأدبية الجديدة والمتجددة، ومؤكد أن كتب «الشأن الإنساني» بمختلف مناحي الحياة هي واحدة من أكثر الكتب انتشاراً، خصوصاً إذا ما توفر صاحبها على خبرة حياتية تؤهله لذلك.

Ad

«بصحبة كوب من الشاي» هو الإصدار الأخير للزميل د.ساجد العبدلي، وما ان بدأت بقراءة الصفحات الأولى فيه، حتى وجدتني اشعر أني أجالس ساجداً، وأنه في بوح هادئ لقصص وتجارب جرت معه.

بدأ ساجد العبدلي كتابه ببيان حبه للشاي: «أنا رجل يحب الشاي، وقد كنت دوماً أحبه إلى أبعد ما تعود بي الذاكرة... ليس هناك أجمل من كوب شاي تنناوله بصحبة من تحب!» ولأن العبدلي في جانب آخر من حياته عاشق للقراءة والكتابة، فقد عاش حياته والمثلث الأحب: الشاي والقراءة والكتابة!

    الكتاب صادر عن «دار كتاب للنشر والتوزيع» في دولة الإمارات العربية المتحدة، بطبعته الأولى 2014، وهو أقرب لصيغة الكتب التي تصدر في الغرب، كخلاصة لفكر وتجربة صاحبه، ويأتي بلغة بسيطة وحميمة، وكأن صاحبه يصرّ على جلسة شاي بقرب صديق يبثّه فكرةً ونصيحة! وما يلفت النظر في الكتاب أنه يتناول قضايا معقدة بلغة بسيطة، ويخوض في القضايا الفكرية المجردة مثلما يتناول شؤون الحياة اليومية.

    في أكثر من مقال يقف المؤلف عند الكتابة، كممارسة إنسانية صعبة، ففي مقال بعنوان «سر الكتابة» يقول: «الكاتب بحاجة إلى شيء أشبه ما يكون بالاشتعال الداخلي كي يستطيع الامتزاج بفكرة ما»، و د. ساجد في سعيه لبيان أبعاد فكرته يتحرك من واقع تجربة شخصية، تنمّ عن اكتوائه بوجع الكتابة، وهو صريح وصادق في جميع مقالاته، يأتي على الإيجابي والسلبي في تجربته: «نعم، هي حالة قرف، بالنسبة إلي على الأقل، وبالذات في اللحظات الأولى لتشكّل المقالة وتحوّل الأفكار إلى كلمات مكتوبة، لكنها سرعان ما تصبح حالة من الانتشاء والبهجة التي لا يضاهيها شعور آخر».

وأنا إذ أمرّ بكلمات العبدلي عن الكتابة، دار ببالي أقول: «الكتابة حالة تخلّق في كل المراحل، منذ انبعاث الفكرة في الذهن، مروراً ببدء طباعة الكلمات وانتهاء بكتابة الموضوع، ودائماً هي معاناة مشوبة بلذة سرّية، بعيداً عن أي شكل من أشكال القرف!

«بصحبة كوب من الشاي» وفي جزءٍ كبير منه، يكون مرشداً للقارئ، متخذاً من التفاؤل مبدأ أساسياً في الحياة، ومن المحاولة طريقاً لبلوغ المراد: «الأشخاص الأكثر مرونة وسلاسة في هذه الحياة هم الأكثر نجاحاً وسعادة، أما المعاندون المتلكئون في الإقبال على التغيرات الحياتية وغير القادرين على الانسجام معها فهم الخاسرون الأشقياء».

البعض يحسب ساجد العبدلي على التدين والمتدينين، لكنه يفصح عن قناعته بالتدين الحقيقي في مقال بعنوان: «تدين ملوّث»: «ما نراه اليوم هو أن كثيراً ممن ظاهرهم وهيئتهم دينية، قد صار بعضهم يرى نفسه حارساً من حراس الفضيلة، في حين أنه يعجز عن الإتيان بالحالة الأخلاقية الراقية... كأنهم يظنون أن مظهرهم الخارجي قد أعطاهم تفويضاً دينياً بالتعالي على غيرهم والقسوة عليهم والحط منهم. لكن مجمل ما يبدر من هؤلاء من أقوال وتصرفات عبارة عن هجوم شرس على غيرهم، مسلمين وغيرهم، وتصنيفهم، واستعدائهم، وحرق كل جسر يمكن حملهم عبره إلى طريق الهداية والرشاد».