كل هذا الذي يجري، بدءاً باختطاف ثلاثة إسرائيليين وقتلهم وصولاً إلى هذه الحرب المدمرة الجديدة التي تجري في غزة، هدفه تهميش الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) وتهميش دوره والبدء بإلغاء منظمة التحرير، فحركة "حماس" بادرت إلى كل هذا التصعيد، الذي لجأت إلى مثله سابقاً مرات عديدة، لتفرض نفسها وتفرض برنامجها بالقوة على الساحة الفلسطينية وعلى المعادلة العربية والإقليمية والدولية وأيضاً الإسرائيلية.

Ad

وكان مثل هذا الانقلاب السياسي قد لجأت إليه حركة "فتح"، عندما أزاحت، في عام 1968 في أول مجلس وطني ينعقد في عمان، يحيى حموده ثاني رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أحمد الشقيري، ونصَّبت خلفاً له الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات (أبوعمار) الذي حلَّ محله بعد وفاته محمود عباس (أبومازن) المستهدف حالياً هو ومنظمة التحرير من قبل حركة "حماس" التي تعتبر نفسها الأحق بالقيادة بحجة أنها هي التي تقود "المقاومة".

ولعل ما يؤكد هذا أن قرار هذه الحرب الأخيرة، وهي عملياً الحرب الثالثة في غزة بعد حرب 2009-2008 وحرب 2012، لم يكن قرار حركة "حماس" والتنظيمات الملحقة بها فقط، إنما قبل ذلك قرار التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وبالطبع قرار إيران التي أرادت من خلال ما جرى الإثبات مجدداً أنها رغم مستجدات الساحة العراقية والساحة السورية والساحة المصرية أيضاً لا تزال هي الرقم الرئيسي في معادلة هذه المنطقة وأنها صاحبة قرار الحرب والسلام في الشرق الأوسط كله.

لذلك فإن رفض "حماس" للمبادرة المصرية المتعلقة بحرب غزة الأخيرة هو في حقيقة الأمر رفضٌ إيراني أراد بافتعال هذه الحرب "توريط" منظمة التحرير، والسلطة الوطنية ومحمود عباس (أبو مازن) وتوريط مصر وأيضاً دولٍ عربية أخرى وإفهام الولايات المتحدة الأميركية تحديداً والدول الغربية بصورة عامة أنَّ "فسطاط المقاومة والممانعة" لا يزال قائماً وأنه أصبح أقوى كثيراً من السابق رغم كل ما شهدته هذه المنطقة من تطورات ومتغيرات في السنوات الثلاث الأخيرة.

إن هذا التحالف هو من أراد أن توجه مصر مبادرتها الآنفة الذكر إلى حركة "حماس" على اعتبار أنها هي المقاومة وأنَّ المقاومة هِيَ منْ يُمثل الشعب الفلسطيني لا منظمة التحرير ولا محمود عباس (أبو مازن) ولا السلطة الوطنية، والقصد على هذا الجانب هو إجبار النظام المصري الجديد بقيادة المشير عبدالفتاح السيسي على الخضوع لإرادة الإخوان المسلمين، نظراً لأن حركة المقاومة الإسلامية تشكل أهم أجنحة "الجماعة" الإخوانية ونظراً لأنَّ التعاطي معها يلغي عملياً قرار اعتبار هذه "الجماعة" واعتبارها هي أيضاً جماعة إرهابية.

إن هذه هي حقيقة كل ما جرى وكل ما يجري، ولذلك فإن الخضوع لما سيتمخض عن هذه الحرب وفقاً لما يريده هذا "الفسطاط" سيعيد إلى "الإخوان المسلمين" ولو بعض ألقهم السابق على الأقل وسيسحب معظم الأوراق الفلسطينية من يد (أبومازن) ومنظمة التحرير، وايضاً من يد حركة "فتح" ويضعها في يد "حماس" و"الجهاد" الإسلامي وسيبرز دور "الممانعة والمقاومة" مرة أخرى، ولهذا فإن المؤكد أن مصر لن تخضع لكل محاولات الابتزاز التي تتعرض لها الآن، وهنا فإن الملاحظ أن تفجير الأوضاع في ليبيا قد تزامن مع إطلاق الحكومة المصرية لمبادرة وقف إطلاق النار هذه واستباقاً لما مِنْ المفترض أن يترتب عليها، أي هذه المبادرة، سواء بقي القرار الفلسطيني في رام الله أم جرى ترحيله ليكون بيد خالد مشعل.