في انتظار «العائدين من سورية»
عانت مصر مع دول عربية وغير عربية من أولئك الذين أُطلِق عليهم الأفغان العرب تارة والمجاهدين العرب تارة أخرى، وعرفت قضاياهم الجنائية باسم العائدين من أفغانستان. ومؤخراً ضاعفت السلطات السعودية تحذيراتها من "التغرير بالشبان" خشية تكرار تجربة العائدين من أفغانستان والعراق، إثر تقارير حول شبان يقاتلون في سورية، حيث تعلن مواقع التواصل الاجتماعي مقتل العديد منهم، وقد طالب الملك عبدالله بن عبدالعزيز مؤخراً بتغليظ الأحكام على من "يغررون بالشباب". ونُسِب إليه قوله: "سمعت مع الأسف أن هناك أشخاصاً يلتقون بالشباب ويغررون بهم، وهذا الأمر يجب أن يكون الحكم فيه ليس السجن فقط (...) لقد غرروا بأطفالنا، فمنهم من قتل ومنهم من حبس".
التوقع اليوم هو أن العائدين من سورية سيشكلون القنبلة الإرهابية القادمة إلى كثير من دول العالم، وكما شكل العائدون من أفغانستان موجة خطيرة من الإرهاب في عدد من الدول، وفي مقدمتها مصر، سيكون العائدون من سورية هم الأخطر من كل المناحي، وقد عانت بعض الدول جراء موجات إرهابية من العائدين من أفغانستان وألبانيا والبوسنة والشيشان.تقدر مصادر عديدة المقاتلين الأجانب في سورية بين مئة ومئة وثلاثين ألف شخص، يتوزعون على مجموعات عدة تحت مسميات إسلامية مختلفة، وهم يشكلون المجموعات الأقوى بين المجموعات التي تحارب النظام السوري، ولهذا يمكن القول إن هذه الجماعات تشكل بالفعل العمود الفقري لمعارضي النظام السوري بالفعل، حتى الجيش الحر يتشكل جزء كبير منه من الإسلاميين أيضاً، ولكن أقل تشدداً، ويقدر عدد المقاتلين الأجانب في سورية بمئة ألف جاءوا من 83 دولة، الدول العربية تتصدر التسع الأوليات بين هذه الدول، ويلاحظ أيضاً أن الدول التي سيطر عليها "الإخوان" أرسلت عدداً كبيراً من هؤلاء، تركيا، ومصر وليبيا وتونس واليمن، وغزة "حماس". مفتي عام السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حذر من الدعوة إلى الجهاد في "الدول المنكوبة"، معتبراً أنه "باب التهلكة"، خصوصاً في ظل الانفلات الذي تشهده التنظيمات المسلحة التي "لا تقاتل تحت راية واحدة"، وقال: "لا يعد هذا جهاداً، إذ لا يعلم المرء تحت أي لواء ينخرط، ما يوقع الشباب في فخ وأهداف الأعداء"، مشيراً إلى أن الجهاد من دون موافقة ولي الأمر يدخل ضمن مفهوم "الجاهلية"، وعلى الرغم من هذا فإن تدفقهم إلى هناك بات حقيقة واقعة علينا التعامل معها.كنا قد تورطنا في نهاية السبعينيات عندما قرر من قرر من قادة الدول العربية والإسلامية الترويج والدفع بالشباب للذهاب إلى أفغانستان للدفاع عن الإسلام -كما كانوا يدعون في ذلك الوقت- ضد الشيوعيين الملاحدة، ولعل بعضنا يذكر تلك الدعوات الإعلامية والإعلانية والسياسية الفجة في تلك الفترة والتي كانت تحفز وتشجع، ولم يدرك وقتها من قام بهذا الفعل أنه إنما يزرع علقماً يذوق منه العالم وبلادنا، بعد ذلك عندما عاد هؤلاء الشباب الذين غررت بهم حكوماتهم وإعلامهم وسياسيوهم ورجال الدين فذهبوا شباباً مخدوعين، وعادوا قنابل موقوتة انفجرت في مجتمعاتها، بعدما عادوا وهم مسلحون بفنون القتل والتفجير، والأهم من ذلك بالفكر المبرر والمشرع لذلك، ذهبوا شباباً وعادوا تحت مسمى "العائدين من أفغانستان" أو "الأفغان العرب"، واليوم نواجه نفس المخاوف من القادم بعد أن أصبحت سورية تقوم مقام أفغانستان في هذه المرحلة، ذهب الشباب هناك ليقاتل -تحت أي مبرر ولأي هدف- لنتوقع عودتهم تحت لافتة "العائدين من سورية".المقصود هنا بالأفغان العرب تلك المجموعات ممن أطلق عليها وصف المجاهدين العرب من غير الأفغان الذين شاركوا في الحرب ضد السوفيات والحكم الشيوعي في كابول، مستخدمين كل الوسائل والطرق للوصول إلى أفغانستان، ومنتحلين صفة العاملين في منظمات إغاثية، أو مراسلي صحف وإذاعات عربية، وقد تأسَّست ظاهرة الأفغان العرب على جانبين، الأول الجانب الإغاثي، والثاني الجانب القتالي، ويمثِّله مجموعات المتطوعين المقاتلين الذين دعَّموا الفصائل الأفغانية الذين جاءوا من معظم البلاد العربية، إضافة إلى متطوعين من أقليات إسلامية في بلدان إفريقية وأوروبية وآسيوية، وقد تلقّوا تدريبهم على أيدي عناصر تنتمي إلى الجماعات العنيفة في بلدانها.خبرة الحرب الأفغانية على الأفغان العرب أضافت إقامة علاقات واسعة مع الجماعات الإسلامية العنيفة على مستوى عالمي، وإقامة شبكة علاقات واسعة بأثرياء العرب الذين قاموا بتمويل عمليات القتال في أفغانستان، وكانت البيئة الأفغانية فرصة للتدريب العسكري، وتطوير علاقات واسعة مع الحركات والأحزاب الأفغانية التي وفَّر بعضها مظلَّة الحماية لهذه العناصر، وحالت دون تسليمهم لحكوماتهم، وخلاصة ما تبقَّى من المجاهدين غير الأفغان الذين احتضنتهم معسكرات بيشاور، وجلال آباد، وقندهار، ومعسكرات الحدود الباكستانية – الأفغانية ما بين 1979 – 1992، مازالوا يشكِّلون نوعاً من التنسيق فيما بينهم، يصل إلى ما يمكن تسميته بـ"الدولية الأممية" أو"الجيش الأممي"، وبالتالي أصبح لهم وجود مستقل عن دولهم.وهكذا أصبح مصطلح "الأفغان العرب" الأكثر تردداً بين وسائل الإعلام العالمية، وبين صناع القرار في العالم منذ اندلاع الحرب الأميركية في أفغانستان، وأصرت الولايات المتحدة الأميركية على القضاء عليهم وعلى من يؤويهم وتصفيتهم، لا كظاهرة سياسية فحسب بل تصفيتهم بدنياً أيضاً باعتبار أنها تراهم صاروا قرينة على الضلوع بكل الأعمال الإرهابية الموجهة ضدها وضد مصالحها المنتشرة في العالم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبح لدينا أيضاً العائدون من ألبانيا والآن نستعد لاستقبال العائدين من سورية.