قلنا مراراً وتكراراً إن البلد بات مثل الكمبيوتر الممتلئ بالفيروسات ولن يجدي معه الترقيع وتنظيفه بالـ(Anti Virus) بل يجب عمل "فورمات" بالكامل وإعادة تشغيله من جديد، أي أنه يجب مسح البنية الاقتصادية والحكومية للدولة وإعادة بنائها من جديد حسب الأصول، أما محاولة ترقيع الوضع القائم فسيكون مآله إلى الفشل الذريع.
وأحد أوجه الترقيع الفاشل هو ما يسمى بـ"البديل الاستراتيجي للرواتب" والقائم على تنظيم رواتب العاملين بالحكومة وتوحيدها حسب التخصص والشهادة.نعم نتفق جميعا بأن هناك خللاً كبيراً في الرواتب في قطاعات الدولة بسبب فوضى الكوادر والزيادات التي أقرتها الحكومات السابقة خضوعاً لضجيج النقابات، وبتشجيع من أخيها شهاب الدين مجلس الأمة، لكن ما هكذا يتم إصلاح الخلل يا ديوان الخدمة المدنية لأن بديلكم "الاستراتيجي جداً" لا يضع أي اعتبار لمعيار الكفاءة.فحسب هذا البديل، فإن المهندس خريج جامعة هارفارد يتساوى بالراتب مع الذي أتى بشهادة هندسة مضروبة من إحدى جامعات "الميكي ماوس" في العالم أو حتى من جامعة مقبولة أكاديمياً لكن حتما لا تضاهي عراقة جامعة هارفارد أو مثيلاتها، وحسب هذا البديل فإن الطبيب المتميز الحاصل على زمالات من أعرق الجامعات والمستشفيات قد يكون مجرد مسجل أول أو اختصاصي مع أنه يعامل كاستشاري في أميركا.وحسب هذا البديل فلا فرق بين من يعمل بجد واجتهاد وإخلاص ومن يعمل ساعة واحدة في اليوم في أفضل الأحوال، أو من هو فاسد ومرتش، ومع هذا البديل الفاشل سيستمر طوفان الشهادات الوهمية لأن الاعتبار الأوحد للراتب هو الشهادة بغض النظر عن قيمتها العلمية ومن أي جامعة تم الحصول عليها.والمشكلة الكبرى في هذا البديل هي تدخل الحكومة لتحديد رواتب الوظائف، في حين الصحيح هو أن يحدد سوق العمل هذا الأمر حتى نعيد الاعتبار للمهن الفنية والحرفية، إضافة إلى مهن أخرى مثل التمريض التي هجرها الناس بسبب سياسة منح الكوادر بشكل أساسي لأصحاب الشهادات الجامعية وفي بعض التخصصات تحديداً.إن أردنا إصلاحاً حقيقياً فيجب نسف نظام الرواتب الحالي برمته ونسف نظام التوظيف المتخلف والقائم على تحكم ديوان الخدمة في توزيع المواطنين على الوزارات، ويجب تحويل الوزارات إلى هيئات مستقلة تحدد بنفسها هيكلها الإداري وأعداد موظفيها على أن يتحول ديوان الخدمة المدنية إلى مراقب فقط لشفافية التوظيف ويضع معادلات تقيس كفاءة هذه الهيئات وسرعة إنجاز المعاملات فيها، وقلة مصاريفها ونظافة مرفقاتها بحيث إن لم تصل هذه الهيئات لدرجة إجمالية معينة تتم إقالة قياداتها المقصرة بدون مكافأة نهاية خدمة، أو بفرض أي عقوبات أخرى تجبر المسؤولين على الانضباط وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، والتخلص من البطالة المقنعة وتوظيف الناس حسب الكفاءة لا حسب الهوية أو الواسطة، وبراتب يناسب كفاءة كل شخص بعيداً عن النظام الحالي الجامد. هكذا يكون التفكير الجدي الخارج عن النمط التقليدي الفاشل الباقي على "طمام المرحوم".***إجراء الاستبيانات والاستطلاعات له أصوله التي حتماً ليس من بينها الإعلان عن موقع معين لاستطلاع آراء الناس ولا إقامة "بوث" حتى يشارك كل من هبّ ودبّ في إجراء الاستطلاع. ما يجري هو تهريج واستعراض من قبل مجلس الأمة، فـ"مو شغل" المجلس أن يجري استبيانات خاصة، وأننا نعرف مسبقاً ما هو رأي شعب اتكالي استهلاكي غير منتج ومخدر بإبر النفط بموضوع مثل الرواتب والأجور! فإن كان المجلس جاداً في حلّ هذا الموضوع فيجب أن يأخذ رأي المتخصصين في الإدارة والاقتصاد واتخاذ قرار شجاع بالإصلاح الجذري إن كان على قدر المسؤولية.
مقالات
بديل استراتيجي فاشل... واستبيان أفشل
15-05-2014