عندما وضع الدستور فإن افتراض حُسن النية والموضوعية من النواب والحكومة حينذاك كان على ما يبدو الأساس، وهو ما يتضح جليا سواء في بعض النصوص الدستورية أو حتى نصوص اللائحة الداخلية للمجلس، بل في محاضر المجلس التأسيسي أيضا.

Ad

وعلى ما أعتقد فإنهم كانوا على حق حينها، نظرا للهوية الكويتية في ذلك الوقت البعيدة عن التشنج والفجور في الخصومة، ومحاولات الإقصاء في غالب الأحيان، إلا أن تراجع المستوى الأخلاقي للمجتمع جعل بعض النصوص أقل جدوى وفاعلية، فمادة كـ"الناس سواسية لا تمييز بينهم" الدستورية، أو الأخرى التي تتحدث عن "العدل والحرية والمساواة" وغيرهما لم تعودا كافيتين لردع المشرعين مع مرور الزمن، ما جعل التشريعات الحكومية منها أو النيابية لا تلتفت لمثل تلك المواد الدستورية، عطفا على ترسيخ الجملة السخيفة "سيادة المجلس لقراراته" رغما عن الدستور واللوائح.

إن تجاوز المشرعين للدستور ومواده جعل الشعب يتمترس خلف انتماءاته رغبة في إقصاء الآخر أحيانا، أو حماية له من الإقصاء تارة أخرى، لتترسخ عبارة مثل "كلونا البدو"، أو تعميم الفساد على كل تاجر، أو الخطر من التمدد الشيعي، أو وصف كل متدين بالإرهابي، وهلم جرا، وكان رد الفعل الطبيعي من كل تلك المجاميع وغيرها البحث عن حماية لها من تلك الهجمات، وقد يختلف شكل تلك الحماية من فئة لأخرى، فالكل يخشى من الكل دون حماية مؤسسية فعلية.

لقد طالبنا مرارا بأن تُوفر ضمانة حقيقية للمواطنين تجعل هاجس الإقصاء يتلاشى، وأن يمنحوا قدرا هاما من الضمانات يفتت تخندقهم كل في تياره أو فئته، واليوم ومن خلال اقتراح السادة مرزوق الغانم وفيصل الشايع وراكان النصف ويوسف الزلزلة ومبارك الحريص أعضاء مجلس الأمة، القاضي بتعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحكمة الدستورية بشكل يتيح للمواطن، أي مواطن، حق اللجوء للمحكمة الدستورية لحماية مكتسباته من أي جور تشريعي سابق أو قادم، وموافقة اللجنة التشريعية في مجلس الأمة على هذا القانون وإدراجه على جدول أعمال جلسة 10 يونيو، تمهيدا لإقراره إن شاء الله، فإن ذلك بمنزلة المفتاح الحقيقي للإصلاح لا على المستوى السياسي فحسب بل على المستوى الاجتماعي الكويتي أيضا، وما يشهده من فئوية كريهة ساهمنا جميعا من حكومة ومجلس وشعب في ترسيخها.

لقد كتبت قبل عام تقريبا أن حق لجوء الأفراد للمحكمة الدستورية يجب أن يعتلي سلم أولويات المجلس، وها نحن اليوم أمام تشريع تاريخي، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يحمي المواطنين ويقدم لهم الضمانة الحقيقية لحماية حقوقهم من أي تطرف، فشكرا لكل من ساهم في هذا التشريع، وكلي أمل بإقراره قبل نهاية دور الانعقاد.

خارج نطاق التغطية

تأثرت كثيرا برحيل شاب خلوق يدعى فهد الودعاني، وافته المنية مع صديق له في حادث سير، وهما في طريق العودة للكويت، كان آخر لقاء لي به في "لعب كرة" جمعنا معا، وانتهى لقاؤنا بأن اشترى لي قنينة ماء، نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته.

لم أحتك بفهد الودعاني كثيرا إلا أنه خلف أثرا طيبا في نفسي لن يزول، فعليك وعلى صديقك يا فهد رحمة من الله ولذويكما الصبر والسلوان.