تقرير اقتصادي : تحديات الخليج الحقيقية اقتصادية... لا أمنية

نشر في 13-02-2014 | 00:06
آخر تحديث 13-02-2014 | 00:06
No Image Caption
• أبرزها تصاعد الاعتماد على النفط وتنامي المصروفات وتقلبات سوق البترول

• اختلالات التركيبة السكانية تشكل مخاطر على سوق العمل والخدمات

التحديات الأمنية التي تواجه دول الخليج لا تمثل شيئاً أمام تحدي ارتفاع نسبة الاعتماد على النفط في إيراداتها ما بين 75 و93 في المئة (والكويت أعلاها) في وقت باتت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط متجاوزة بذلك السعودية.

فتح النقاش حول الاتفاقية الأمنية الخليجية الحديث عن التحديات الحقيقية التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، ودور المجلس في التصدي لها، خصوصا ان أغلبية هذه التحديات تتركز في الملف الاقتصادي الذي تنامت تحدياته خلال آخر عامين بشكل لافت.

وقد برزت على الساحة الاقتصادية العالمية مجموعة من المتغيرات الأساسية لدول الخليج، ولم تعد المشاكل القديمة العالقة، كالاتحاد الجمركي او السوق الخليجية المشتركة او العملة الموحدة او الاتحاد النقدي، هي المشاكل الاقتصادية التي تبرز كتحديات امام دول مجلس التعاون، بل تطور التحدي ليغدو اكبر من السابق، لأنه بات يتعلق بالمصدر الرئيسي للدخل في الخليج وهو النفط.

ودول الخليج التي تستحوذ على أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بـ485 مليار برميل، أي ما يعادل 35.7 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام وما نسبته 70 في المئة من إجمالي الاحتياطى العالمي لمنظمة أوبك، فضلاً عن نصف إنتاج دول «أوبك»، لم تنهض لتتعامل مع تحد حقيقي وجديد في السوق النفطي، يتمثل في دخول النفط الصخري كمنافس محتمل للنفط التقليدي ونمو انتاجه لدرجة جعلت «اوبك» تعترف بعد طول تجاهل ان النفط الصخري سيلبي قريباً 8 في المئة من احتياجات سوق النفط العالمي.

عودة العراق وإيران

والتحديات الأمنية التي تواجه دول الخليج لا تمثل شيئا امام تحدي ارتفاع نسبة الاعتماد على النفط في ايراداتها ما بين 75 و93 في المئة - والكويت اعلاها - في وقت باتت الولايات المتحدة اكبر منتج للنفط متجاوزة بذلك السعودية، فضلا عن عودة العراق الى الانتاج وكذلك ايران، وما يترتب على عودتهما من منافسة في سوق النفط.

كل هذا يتزامن مع تنامي اسعار التعادل في الميزانيات الخليجية إلى مستويات تقارب الاسعار الحالية لبرميل النفط الخام، بسبب نمو الانفاق الجاري في دول مجلس التعاون مع بداية الربيع العربي، مما أدى إلى تصاعد الانفاق على حساب كفاءة الميزانيات، وهو ما رفع كلفة سعر التعادل ليتراوح بين 84 و102 دولار للبرميل، مما يعني ان مجرد حدوث اختلال او تباطؤ في سوق النفط العالمي، لا سيما الاسيوي، سيؤدي حتما الى دخول دول الخليج في دائرة العجز المالي، مما يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية متعددة.

التحدي الأمني يظهر بشقيه الاقتصادي والاجتماعي في دول الخليج، عندما نعلم ان 4 من اصل 6 دول تعاني اختلالا في التركيبة السكانية، بحيث تتجاوز نسبة الوافدين، مقارنة بالمواطنين، 51% كما هو الحال في البحرين، و68% في الكويت، لتصل الى 87% في الامارات، و89% في قطر، وهو امر له انعكاسه الواضح على سوق العمل ومستوى وكلفة الخدمات وغيرهما.

عقلية أمنية

دول الخليج لم تستطع ان تتجاوز العقلية الامنية الى عقلية اقتصادية تنموية، فنجدها تعاني غياباً لافتاً على مستوى التكامل في العديد من القضايا الاقتصادية الصغيرة، فما بالك بالكبيرة والأساسية؟! رغم أنه من الممكن حلها من خلال اجتماع وزاري عادي، مثل حسم مسألة حصة كل دولة من عوائد الجمارك او تحديد ضوابط المنتجات الغذائية التالفة.

ولعل عدم حل قضايا صغيرة بهذا المستوى يثبط أي طموحات لتحقيق التكامل الاقتصادي على مستوى أكبر، وبالتالي فلا معنى لمجلس التعاون إن لم يربط مصالح الدول والشعوب بمشاريع ملموسة وواضحة، لاسيما أن اتمام معظم هذه المشاريع سهل من الناحية الفنية، إذا وجدت إرادة جادة من السياسيين ومتابعة حقيقية ودورية لها، فليس من المقبول أن يكون التحالف الإقليمي الذي يضم أكبر دول العالم في الإنتاج والاحتياط النفطي، والذي تسبح أراضي دوله فوق بحيرات من البترول، ورائد الصناديق السيادية العالمية، بلا إنجاز اقتصادي وحدوي واحد.

وطوال سنوات تأسيسه، لم يستطع مجلس التعاون تجاوز الخلافات التفصيلية الصغيرة بين دوله حول العملة الخليجية ولا الاتحاد النقدي ولا البنك المركزي الخليجي ولا السوق الخليجية المشتركة ولا الاتحاد الجمركي... كل الملفات الاقتصادية المفيدة لشعوب المنطقة كان مصيرها النهائي الخلاف والفشل، وفي افضل الاحوال التأجيل، الا الاتفاقية الامنية التي تحمل بين طياتها مخاوف على حريات شعوب المنطقة تم اقرارها، ولم يظهر صوت حكومي في الخليج يعارضها.

نماذج وحدوية

أما النماذج الوحدوية الناجحة في العالم فتطورت كلها لمصلحة المشروع الاقتصادي، ونموذج مثل دول بريكس، الذي يضم دولا صناعية ذات اقتصادات كبيرة، كالبرازيل والهند والصين وجنوب افريقيا وروسيا جدير بالاحترام، بوصفها دولاً لا رابط جغرافيا لها، ومع ذلك نجحت في إنشاء مشروع اقتصادي يحتوي على كثير من البيانات والأرقام أكثر بكثير من الخطابات السياسية، وحسب اخر احصائية فإن دول بريكس تصدرت النمو العالمي في 2013، في حين مازالت دول الخليج غير قادرة على القيام بنموذج نجاح اقتصادي واحد.

ويجب ان تعي دول الخليج ان العالم لم يعد كما كان قبل 34 عاما مع بدء تأسيس مجلس التعاون، وأن اصلاح الاقتصاد من اصلاح الادارة، وأن آليات الاتفاقيات الامنية وتشديد القبضة على الحريات والآراء باتت خارج ما يسير عليه العالم كله، والأولى ان تنتبه المنظومة الخليجية الى الملفات والتحديات الحقيقية التي تواجه دولها وإيراداتها وخدماتها إن ارادت ان تكون جزءا من هذا العالم.

back to top