نجحت مبادرة المملكة العربية السعودية الى تقديم هبة بقيمة ثلاثة مليارات دولار من السلاح الفرنسي الى الجيش اللبناني فور إعلانها في كشف حقيقة المواقف التي يبني عليها الفرقاء اللبنانيون سياساتهم، بعيداً عن المناورات الإعلامية التي غالباً ما تغطي استراتيجيات غير معلنة تتم ممارستها على أرض الواقع. وقد أثبت رئيس الجمهورية ميشال سليمان من خلال نجاحه في الحصول من المملكة العربية السعودية على هذه الهبة، وفي الحصول على موافقة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على هذه الصفقة، بأنه صاحب استراتيجية متكاملة لمقاربة الملفات الخلافية الكبرى ولاسيما ملف سلاح حزب الله، لا تقتصر على النظريات المتمثلة في ما تضمنه "إعلان بعبدا"، ولكنها مقرونة بخريطة طريق سياسية وآلية تنفيذية تقنية قادرة على ترجمة مضمون الإعلان على أرض الواقع، وتأمين الوسائل العسكرية للتنفيذ التي تجعل الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية الأخرى صاحبة الحق الحصري في امتلاك السلاح والقدرات الأمنية والعسكرية وترجمة سياسة الحكومة اللبنانية الدستورية في المجالات الأمنية والعسكرية.

Ad

وفي حين رحب قادة "قوى 14 آذار" بالمبادرة السعودية – الفرنسية على خلفية قدرة هذه المبادرة على إسقاط الحجج التي كان يتذرع بها الحزب علناً للإبقاء على سلاحه وأبرزها عدم توافر الإمكانات التسليحية لدى الجيش اللبناني، وعدم قدرة الدولة اللبنانية على تأمين تمويل تسليح الجيش، وامتناع دول العالم عن تزويد الدولة اللبنانية بالسلاح، فقد جاءت بوادر ردات الفعل من جانب حزب الله وحلفائه والإعلام الدائر في فلكه لتعكس صدمة الحزب وارتباكه في التعاطي مع المبادرة السعودية ــ الفرنسية.

ويبدو واضحاً مما نشرته وسائل الإعلام اللبنانية القريبة من حزب الله بعد ساعات من إعلان سليمان الهبة السعودية، وإعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من السعودية موافقة بلاده على تزويد الجيش اللبناني بالسلاح، أن "قوى 8 آذار" تتجه الى التشكيك في خلفياتها ونواياها وأهدافها تمهيداً للانقضاض عليها وإفراغها من مضمونها وعرقلة تنفيذها.

تحفظات «حزب الله»

في هذا الإطار أثار القريبون من حزب الله ما يلي:

1- لا يحق لرئيس الجمهورية قبول الهبة السعودية، ولا الاتفاق مع هولاند على تزويد لبنان بالسلاح، لأن مسألة قبول الهبات هي من صلاحيات مجلس الوزراء، كما أن السياسات العامة للدولة في جميع المجالات هي من صلاحيات مجلس الوزراء مجتمعاً وليست من صلاحيات رئيس الجمهورية.

2 - الهبة السعودية لا يمكن أن تكون مجانية، وإنما هي جزء من الاستراتيجية السياسية والأمنية والعسكرية السعودية في سورية ولبنان، وهي ستخصص لمواجهة السياستين السورية والإيرانية وليس للأهداف المجردة التي أعلنت لناحية تسليح الجيش وتقوية قدرات الدولة.

3- الهبة السعودية مشروطة بإقدام سليمان ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام على تشكيل حكومة لا يشارك فيها حزب الله.

4- إن قسماً من السلاح سيخصص لقوى الأمن الداخلي ولتقوية أجهزتها ما يخفي برأي حزب الله وحلفائه نوايا مبيتة لتسليح مبطن لـ"قوى 14 آذار".

5- الهبة السعودية والسلاح الفرنسي هما مقدمة للدعوة الى تخلي حزب الله عن سلاحه بعدما توافر السلاح المطلوب للجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية للدفاع عن لبنان.

6- نوعية السلاح الذي سيعطى للجيش اللبناني ستكون خاضعة لموافقة فرنسية – غربية وبالتالي ستكون مرتبطة بقدرات محددة ليس من بينها صواريخ أرض جو متطورة ولا صواريخ بعيدة المدى قادرة على إصابة إسرائيل ومنعها من الاعتداء على لبنان، وبالتالي فهي ستكون في يوم من الأيام موجهة الى حزب الله و"قوى 8 آذار" على غرار ما حصل من خلال صفقة التسليح الاميركي للجيش اللبناني في عهد الرئيس أمين الجميل عندما استخدم سلاح الجيش اللبناني في قصف بيروت والضاحية الجنوبية والجبل.

ترحيب «14 آذار»

في المقابل، فإن مصادر قيادية في "قوى 14 آذار" ترد على المواقف المذكورة لحزب الله بما يلي:

1- حتى الأمس القريب كان حزب الله و"قوى 8 آذار" يعتبرون قرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان غير شرعي، لأن التفاوض في شأنه لم يتم مع رئيس الجمهورية السابق إميل لحود. فما الذي تغير ليصبح ممنوعاً على سليمان التفاوض مع فرنسا والسعودية للحصول على دعم للجيش اللبناني؟ أما بالنسبة الى قبول الهبة في مجلس الوزراء وغيرها من التفاصيل التقنية فمن الطبيعي أن يتم ذلك بحسب ما ينص عليه الدستور، ولذلك فإن رئيس الجمهورية أصر ويصر على وجوب الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة لتتمكن الحكومة من اتخاذ القرارات والإجراءات الدستورية المطلوبة لعدم تفويت فرصة الدعم السعودي – الفرنسي على لبنان ومؤسساته العسكرية والأمنية.

2- من الطبيعي أن تكون للهبة السعودية وللموافقة الفرنسية على تسليح الجيش اللبناني أهداف سياسية استراتيجية تتمثل في دعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية وقرارها الحر ورفع الوصاية عن سياساتها الداخلية والخارجية. ومن الطبيعي أيضاً أن تكون الاستراتيجيتان السورية والإيرانية القائمتان على وضع اليد على لبنان متضررتين من المبادرة السعودية – الفرنسية. وليس من العيب بمكان أن يدعم المجتمعان العربي والدولي لبنان لاستكمال بسط سيادته على أراضيه بقواه الذاتية الشرعية، بل العيب أن يعمد بعض الفرقاء اللبنانيين الى الحصول على مساعدات عسكرية ومالية من الخارج خلافا للأصول الدستورية والقانونية وللصلاحيات من أجل تنفيذ أجندات ومشاريع واستراتيجيات سورية وإيرانية.

وفي هذا الإطار، تسأل قيادات "قوى 14 آذار": هل الهبة السعودية والسلاح الفرنسي سيجعلان قائد الجيش جان قهوجي ومن سيخلفه يوماً في قيادة الجيش يقول إنه جندي في الجيش السعودي أو الجيش الفرنسي على غرار قول السيد حسن نصرالله إنه جندي في جيش ولاية الفقيه؟ وهل ستستخدم القوات المسلحة اللبنانية الشرعية السلاح الذي ستحصل عليه للقتال في اليمن أو البحرين أو سورية الى جانب حلفاء السعودية؟ أو في الصومال وإفريقيا الى جانب القوات الفرنسية؟

3- إن الهبة السعودية ليست مشروطة بأي تدبير أو قرار سياسي يرتئيه اللبنانيون. ولكن حزب الله بتصرفاته هو الذي وضع نفسه خارج دائرة الوفاق الوطني اللبناني من خلال تمسكه بفرض وجهة نظره على الآخرين بقوة السلاح والاغتيالات، وهو ما جعل "قوى 14 آذار" ترفض مشاركته في أي حكومة في ظل تماديه في حماية المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ومضيه في الاغتيالات السياسية، وتفرده بقرار زج لبنان في تداعيات الحرب السورية من خلال دعمه العسكري الميداني للنظام السوري خلافا لرأي قسم من اللبنانيين ولرأي رئيس الجمهورية وقرار الحكومة اللبنانية التي يشارك فيها بالنأي بالنفس على الوضع في سورية. ولذلك فإن أي حكومة قد يشكلها سليمان وسلام من دون مشاركة حزب الله لن تكون وليدة قرار سعودي – فرنسي وإنما نتيجة قناعة المعنيين الدستوريين بتشكيل الحكومة باستحالة إدارة شؤون البلاد والسعي لإخراجها من أزماتها في ظل وضع حزب الله يده على المؤسسات الدستورية وقرارات الشرعية اللبنانية.

4- إن قوى الأمن الداخلي وغيرها من القوى والأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية هي جزء من المؤسسات الشرعية اللبنانية ومن الطبيعي أن يكون بناء الدولة في حاجة الى بناء كل مؤسساتها من دون استثناء ليتكامل العمل الأمني والعسكري داخليا وعلى الحدود وفي مجالات التصدي لكل المخاطر التي تهدد لبنان سواء من الخارج أو الداخل. وبالتالي فإن تسليح قوى الأمن الداخلي كما تجهيز الامن العام وأمن الدولة ليس تهمة بل إنجازا يشكر القيمون عليه.

5- من الطبيعي أن يكون تسليح المؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية مقدمة لتخلي حزب الله عن سلاحه وعن أي شكل من اشكال القرارات العسكرية والامنية. ومثل هذا الأمر بدوره ليس تهمة توجه الى الرئيس سليمان والسعودية وفرنسا ولكنه إدانة ذاتية لحزب الله نفسه الذي يكشف بهذا المنطق أن هدفه هو الإبقاء على سلاحه وبأن حججه التي سبق ان استخدمها بتغطية عجز الدولة الامني والعسكري لم تكن سوى ذريعة لاحتلال لبنان لمصلحة ايران والنظام السوري والتحكم بقراراته خلافا لرأي بقية اللبنانيين.

6- إن السلاح الذي سيزود به الجيش اللبناني والقوات الشرعية هو للدفاع عن لبنان في وجه كل المخاطر الداخلية والخارجية من دون استثناء. فكما استخدم الجيش السلاح ضد "فتح الإسلام" و"جماعة الأسير" وغيرهم من الخارجين على القانون فإنه يمكن أن يستخدمه ضد حزب الله في حال إصراره على المضي في الخروج على القانون. وبالتالي فإن الحل ليس بعدم تسليح الجيش بل بتخلي حزب الله عن سلاحه لمصلحة الدولة اللبنانية.

وتلفت قيادات في "قوى 14 آذار" الى أن المبادرة السعودية – الفرنسية ليست مجرد قرار مرتجل، ومن الطبيعي أن تعكس أجواء عربية ودولية مؤاتية لمصلحة قيام الدولة في لبنان، وبالتالي فهي لن تكون خطوة معزولة، ولا مجرد قرار ثنائي. ذلك أن الايام والأسابيع القليلة المقبلة ستظهر أن المبادرة السعودية الفرنسية هي بمثابة كرة الثلج السياسية التي ستتدحرج لبنانياً وعربيا ودولياً على نحو يعطي مسيرة قيام الدولة دفعا مهما يعرف حزب الله تمام المعرفة جديته، وهو واحد من الأسباب الرئيسية التي دفعت به الى محاولة الحد منه باغتيال الوزير السابق محمد شطح على غرار محاولته مع النظام السوري في عام 2004 اغتيال الوزير مروان حمادة للحد من اندفاعة المجتمعين العربي والدولي لإخراج سورية من لبنان ونزع سلاح الميليشيات وإجراء انتخابات رئاسية دستورية في موعدها وفقا لقاعدة تداول السلطة، من خلال القرار 1559 الذي سيثبت المستقبل القريب أنه لا يزال حياً يرزق وبصحة وعافية تسمح له بأن يفعل فعله في حماية لبنان ووضعه على طريق الاستقرار.