ادعاءات أردوغان «المتبجحة» بواحدة من ألمع قصص الأسواق الناشئة تخضع للتمحيص

نشر في 08-01-2014
آخر تحديث 08-01-2014 | 00:04
No Image Caption
على الرغم من أن أنصار أردوغان يلقون باللوم على المؤامرات الأجنبية في محنته، لاتزال تركيا تعتمد بشكل كبير على رأس المال الأجنبي القصير الأجل، كما أن نحو أربعة أخماس عجز الحساب الجاري البالغ 60 مليار دولار يتم تمويلها من خلال الأموال الساخنة.
رجب طيب أردوغان يحب التبجُح بواحدة من ألمع قصص الأسواق الناشئة في العقد الماضي، وهي ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في تركيا من 230 مليار دولار عام 2002، عندما تولى حزبه السلطة، إلى نحو 800 مليار دولار اليوم.

لكن في الوقت الذي تهبط فيه الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار وسط فضيحة فساد تورِّط حكومته، فإن ادعاءات رئيس الوزراء بشأن الاقتصاد تخضع للتمحيص.

وحذر وزير المالية التركي، محمد سيمسك، من تداعيات سلبية جراء تباطؤ الاقتصاد بسبب الفضيحة. وأقر بأن هناك خطرا من أن يُحْجم بعض المستثمرين عن المجيء إلى تركيا بسبب التحقيقات المتعلقة بالفساد وظهور مخاوف بشأن حكم القانون.

وقال الوزير في مقابلة مع «فايننشال تايمز»: «إننا نواجه تحديا مهما (...) سنرى ما إذا كانت التطورات القانونية ستؤدي إلى تأثير سلبي على الاستثمار الأجنبي المباشر، لكننا ملتزمون بتحسين مناخ الاستثمار».

وبحسب سيمسك، انخفاض الليرة مقابل الدولار بنسبة بلغت 7.5 في المئة منذ أول اعتقالات مرتبطة بفضيحة الفساد في 17 ديسمبر الماضي: «من الواضح أنه ترك تأثيرات سلبية على اقتصاد تركيا الكلي». وخلال الفترة نفسها انخفض مؤشر ISE الوطني المؤلف من 100 سهم رئيسي في البورصة التركية بنسبة بلغت 11.9 في المئة بحساب الليرة.

ونظراً للتداول الضعيف في العديد من الأسواق الدولية خلال العطلة، يتطلع أهل المال في تركيا إلى الأيام المقبلة من أجل قياس رد الفعل الخارجي على الاضطرابات السياسية داخل البلاد.

وعلى المدى القصير يقول كثير من المستثمرين والمحللين إن تركيا قد لا يكون لديها خيار سوى رفع أسعار الفائدة للدفاع عن العملة، على الرغم من الاعتراض الشديد من أردوغان على اتخاذ خطوة من هذا القبيل.

أما على المدى الطويل، فهم يشيرون إلى مشاكل في القدرة التنافسية وفي أنموذج النمو المحلي القائم على الطلب المضمون بفعل الأموال الأجنبية قصيرة الأجل.

ورفع أسعار الفائدة أمر حساس بشكل خاص، لأن أردوغان ألقى باللائمة على «لوبي أسعار الفائدة» – وهي إشارة واضحة إلى المؤسسات المالية المحلية والدولية – بخصوص تحقيق الفساد والاحتجاجات الكبيرة ضد حكمه.

وأضافت مخاوف حول سيادة القانون – برزت بسبب معركة أردوغان مع ممثلي الادعاء العام الذين يحققون في قضية الفساد – إلى عوامل القلق.

وفي الأسبوع الماضي قالت جولر سابانجي، رئيسة سابانجي هولدنج، واحدة من أكبر التكتلات في تركيا، إن مجموعتها تراقب مزاعم الفساد بقلق. كما أكدت، مثل محرّم يلماز، رئيس اتحاد الشركات «توسياد»، أهمية استقلال القضاء وسيادة القانون.

لكن على الرغم من أن أنصار أردوغان يلقون اللوم على المؤامرات الأجنبية في محنته، لاتزال تركيا تعتمد بشكل كبير على رأس المال الأجنبي قصير الأجل. فنحو أربعة أخماس عجز الحساب الجاري البالغ 60 مليار دولار يتم تمويلها من خلال الأموال الساخنة، بدلاً من الاستثمار المباشر الأجنبي.

وقطاع الشركات في البلاد يتحمل ديونا أجنبية صافية تبلغ 166 مليار دولار، على الرغم من أن معظمها ديون طويلة الأجل. ومن جانبها عملت الأسر على تحويل المدخرات في حساباتها المصرفية من الليرة إلى العملات الأجنبية.

بالمقابل، غالباً ما يقدّر صافي احتياطي العملات الأجنبية في البنك المركزي في حدود 40 مليار دولار أو أقل - وهذا قليل نسبياً، مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى، خاصة منذ أن وعد البنك بإنفاق ستة مليارات دولار على الأقل للدفاع عن العملة بين أواخر ديسمبر ونهاية يناير.

ويقول ألبير إنجي، وهو عضو منتدب في بامكو، وهي صندوق تحوط بقيمة 15 مليار دولار: «أسعار الفائدة العالمية سترتفع؛ وينبغي أن ترتفع أسعار الفائدة التركية، فلا يمكن أن تكون غير مترابطة، خاصة في هذه السوق».

لكن قد تكون هناك مشاكل أكثر جوهرية. فقد حذّر تقرير نشره صندوق النقد الدولي الشهر الماضي من أنه، بدون تغييرات هيكلية كبيرة، قد ينمو الاقتصاد التركي بشكل مستدام بنسبة 3 في المئة فقط سنوياً – بسبب المشاكل في تمويل عجز الحساب الجاري حتى مع مستويات متواضعة من النمو.

وجادل التقرير بأن سعر الليرة من الناحية العملية يعتبر زائداً عن قيمته الحقيقية بنسبة 10 إلى 20 في المئة، حتى بعد هبوط نسبته 10 في المئة مقابل سلة اليورو والدولار في وقت سابق من العام الماضي. وسجّل التقرير أيضاً مشاكل أوسع في القدرة التنافسية التي اعتبرها كثير من المحللين الجانب الآخر لأرقام النمو التي يتباهى بها أردوغان في كل خطاب تقريباً.

لكن الأمر الذي لا توضحه إحصائيات رئيس الوزراء هو أن معظم ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بالدولار في البلاد يعود إلى ارتفاع قيمة الليرة بالمعدلات الحقيقية.

ولاحظ رحمي كوج، الرئيس الفخري لكوج هولدنج، وهي أكبر تكتل للشركات في تركيا، أن متوسط النمو السنوي في تركيا من حيث قيمة الدولار خلال العقد الماضي كان نحو 13 في المئة، لكن 8 في المئة منه كانت بسبب الليرة القوية و5 في المئة فقط بسبب النمو الحقيقي.

ويرى داني رودريك، من معهد الدراسات المتقدمة في برينستون أن «الارتفاع الحقيقي في قيمة الليرة خلال العقد الماضي كان النظير للعجز الواسع في الحساب الجاري. فقد كان هناك كثير من الأموال الخارجية التي تحرك النمو، لكن إلى أين ذهبت؟ الكثير منها ذهب إلى الخدمات غير القابلة للتداول، والإنشاءات، وغيرها من الخدمات».

ويعني ارتفاع قيمة العملة أيضاً أن تركيا لا تستطيع بعد الآن المنافسة كاقتصاد ذي أجور منخفضة كما فعلت في التسعينيات من القرن الماضي. فقد أصبحت الأجور الآن أعلى من دول أعضاء الاتحاد الأوروبي، مثل إستونيا، على الرغم من أن صندوق النقد الدولي يلاحظ أن الزراعة، إضافة إلى صناعة التكنولوجيا المنخفضة والمتوسطة، تشكّلان ثلاثة أرباع الصادرات.

وفي الوقت نفسه، انهارت المدخرات أسرع من أي مكان آخر في مجموعة العشرين، ما يترك تركيا معتمدة على التمويل الأجنبي من أجل الاستثمار. لكن الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض إلى النصف تقريباً، من 22 مليار دولار عام 2007 إلى 12 مليار دولار في 2012. وقال كثير من التنفيذيين والدبلوماسيين إن المجموعات الدولية أوقفت الاستثمار بعد تشديد النظام قبضته على الاحتجاجات في الصيف الماضي، المترافق مع خطاب معاد للشركات وتحقيق ضريبي في كوج هولدنج، احتل عناوين وسائل الإعلام الذي اعتبره انحيازاً إلى المحتجّين.

وفي نهاية المطاف قد يتغلب الاقتصاد التركي على مثل هذه المشاكل. ويجادل سيمسك، وزير المالية، بأن التعافي يسود الآن قصة البلاد التي هي في الأساس قصة تقارب بين معايير الاقتصاد في البلدان النامية ومعايير منطقة اليورو، وهي مصدر تركيا الأكبر للتجارة والاستثمار.

وأشار سيمسك إلى أن آفاق الاقتصاد التركي وأداء الليرة الأخير تأثرا أيضا بتقليص الحافز النقدي في الولايات المتحدة. وقال: «الوضع بالنسبة للاقتصاد في النصف الأول من 2014 يتمثل في نمو متباطئ، نمو أكثر تواضعا نتيجة لخروج الاحتياطي الفدرالي (الأمريكي من التسهيل الكمي) والأوضاع السياسية والاقتصادية المحلية». وأشار الوزير إلى أن التباطؤ سيكون مؤقتا وأن تركيا لايزال بإمكانها أن تبلغ النمو المستهدف هذا العام عند 4 في المئة، لكنه استبعد العودة سريعا إلى معدل النمو التاريخي البالغ 5 في المئة.

لكن هناك أموراً كثيرة على المحك. ووفقا لأحد الدبلوماسيين الدوليين البارزين: «طموح تركيا لكي تلعب دوراً أكبر إقليمياً وعالمياً يقوم على مقدمة أساسها الاقتصاد القوي». ويضيف: «ولهذا سيكون أمرا مهما فيما لو تبين أن الاقتصاد قائم على بيت من ورق».

* فايننشال تايمز

back to top