يشير الكثير من المتخصصين في القطاع النفطي إلى أن وزارة النفط أصبحت حقل تجارب للوزراء غير الفنيين، إضافة الى أن مجلس الأمة يحاول إدخال الأمور السياسية في القضايا الاقتصادية والتجارية والفنية.

Ad

هذه الأمور باتت من المسلمات في العمل تجاه القطاع النفطي "لقمة عيش الكويت"، فالقيادات النفطية تأقلمت مع هذا الوضع، إذ إن لديهم مسؤوليات لكن دون صلاحيات، كما تأقلمت أيضا مع الصحافة، حيث أصبحت الأخيرة تكرر الكثير من القضايا والمشاكل مع قدوم أي وزير جديد للنفط دون إيجاد الحلول، حتى بات إصلاح وضع القطاع معجزة.

لكن "الجريدة" اليوم لن تخوض في آلية اختيار الوزير، ولن تتطرق إلى ما هو مطلوب في المرحلة المقبلة, بل ستسترجع أهم ما قاله الوزير الجديد للنفط د. على العمير عن القطاع النفطي، فهو يستحق لقب "رئيس اللجان النفطية البرلمانية"، حيث كان رئيس لجنة التحقيق البرلمانية في تجاوزات عقود قطاع البترول ورئيس لجنة عقد "شل".

«داو» والضغوط السياسية

واهم التصريحات الصحافية تلك الخاصة بقضية "الداو"، حيث استهل الوزير اول تصريحاته بأنه سيكشف جميع المتنفذين في هذه القضية, لكن اذا رجعنا قليلا الى تصريحات سابقة فسنجد انه اتهم الوزير الاسبق هاني حسين، حينما تم دفع الغرامة، بأنه كان متعجلا واتخذ القرار دون الرجوع الى مجلس الامة، ودون انتظار رأي لجنة التحقيق البرلمانية! علما ان الكويت كانت تتكبد يوميا قبل الدفع غرامة تقارب الى 250 الف دولار عن كل يوم تأخير في الدفع، وهو السبب الرئيسي لدفع الغرامة حفاظا على نزيف المال العام.

كما برر العمير، في تصريح صحافي عقب الغاء صفقة "الداو"، ان رئيس الوزراء السابق سمو الشيخ ناصر المحمد كان قد تعرض لضغط سياسي شديد، إذ لوح غير نائب باستجوابه ان لم تلغ الصفقة، ما دعاه إلى اللجوء إلى المجلس الاعلى للبترول لتدارس الصفقة، ومعرفة مدى اتباع الاجراءات القانونية، ولاريب في ان تصور المجلس الاعلى وقتذاك انها لم تخضع للجهات الرقابية الثلاث، الامر الذي استوجب الغاء الصفقة.

هنا يتبين ان الوزير الحالي كان على قناعة بأن رئيس الوزراء السابق، وهو ايضا رئيس المجلس الاعلى للبترول، خضع للضغوط رغم ان الموضوع تم تدارسه اكثر من مرة، الا انه خوفا من تعرضه للاستجواب قام بإلغاء الصفقة, لكن يبقى السؤال المطروح: هل بعد الانتهاء من تقرير لجنة التحقيق في القضية وادانة رئيس الوزراء السابق سيظهر التقرير؟

كما يجب التذكير بأن العمير كان من انصار الضغط على شركة الداو، عبر شراكتها مع الكويت لتخفيف الشرط الجزائي, فهل سينتقم من الشركة العالمية عبر مصالحها المشتركة؟ وهل سنرى عهدا جديدا في العلاقة مع الشركات العالمية من خلال تهديد مصالحهم؟ علما انه قال في فترات سابقة ان الشركات الكبرى لا تأتي الا لتحقيق المصلحة، وما يتحقق لها، ستواكبه مصلحة تتحقق للكويت!

تسييس القطاع

ومن أحد التناقضات في التصريحات عن القطاع النفطي طالب العمير بإبعاده عن أي تسييس، وفي الوقت نفسه يجب إبعاده عن أي تجاوزات، مشيرا إلى أن القطاع النفطي عماد ثروة البلد ومستقبلها.

بينما يطالب العمير في مواقع اخرى بأن تتم استشارة مجلس الامة في قضايا النفط, وهي اشارة واضحة على ان قضايا ومشاريع القطاع النفطي ستمرر عبر "دهاليز" مجلس الامة، ما يعني المزيد من التعقيد والتأخير، خاصة ان الكل لديه مصالح لتوظيف اكبر عدد من خلال القطاع الذي يتميز برواتب عالية.

كما يرى الوزير الجديد للنفط ان حل ازمة البطالة سيكون عبر بوابة القطاع النفطي، حيث انه الوحيد القادر على استيعاب المزيد من العمالة، بشرط ان تحسن الحكومة تدريبهم وتأهيلهم، ليكونوا قادرين على الاحلال محل العمالة الوافدة.

وهذا الامر يعني ان القطاع مقبل على توظيف العديد من الشباب الكويتي، وستكون المساحة التي يمكن ان ترفع اسهم الوزير شعبيا، كونه ايضا النائب المحلل في الحكومة, إضافة الى ذلك فهو من المتحمسين لإعطاء الحوافز المالية للعاملين، وهو ما اتضح في زيادة رواتب العاملين الاخيرة التي هددت فيها النقابات بالاضراب اذا لم تتم, ولا ننسى ان هناك مهلة حاليا من النقابات لمؤسسة البترول اذا لم يتم الغاء قرار تعديل الحوافز المالية التي من ضمنها المشاركة في النجاح، ما يعني ان الوزير قد يوافق على مطالب النقابة التي ايضا هددت بالاضراب!

الوزير الأخضر

لا يخفى على الجميع ان الوزير الحالي كان بيئيا من الطراز الاول في مجلس الامة، حيث كان رئيسا للجنة البيئة والطاقة البرلمانية, ونستذكر هنا اتهامه للقطاع النفطي بأنه السبب الرئيسي في قضية تلوث أم الهيمان، مشيرا الى أن القطاع أموره البيئية تدار بشكل سيئ جدا، لاسيما التسرب في منطقة الأحمدي، ووصل الى أطراف البحر، وان هناك تقاعسا واضحا وخطيرا، حيث لا يوجد اي تحقيق بهذا الشأن او اي عقوبة وقعت على المسؤولين.

ومن الواضح ان العمير جاء الى وزارة النفط ولديه دراية كبيرة في تجاوزات القطاع النفطي، لكن بعين ورؤية النائب في البرلمان، وكثير من المفاهيم قد يراها بعين المسؤول القريب من الاحداث، فهو رجل عرف بالامانة والنزاهة، فلن يظلم احدا على حساب مكتسبات انتخابية, فقضية ام الهيمان ليس سببها القطاع النفطي ومصافي التكرير بل من اقر ببناء هذه المنطقة رغم معرفته بوجود المصافي, كما ان شركة البترول الوطنية لديها مشاريع بيئية كبيرة وليست ربحية، والهدف منها حماية البيئة, اذا فليس من المعقول ان يعطل "ابوعاصم" مصافي التكرير لتلوث ام الهيمان!