نزيه خاطر بلا كتاب

رحل الناقد التشكيلي اللبناني نزيه خاطر(84 عاما)، الذي كتب نقداً في مختلف المواضيع الأدبية والفنية والثقافية والمسرحية على مدى خمسين عاماً، راكم خلالها آلاف المقالات، ولكن المفارقة أن خاطر لم يصدر كتاباً في حياته، رغم أنه كان مرجعاً لكثير من الدراسات والأبحاث المهمة، وهذا الأمر يجعل للكتابة عنه معنى مختلفاً، كذلك يجعل للكتابة عن الكتب معنى آخر.

النافل في الوسط الثقافي أن المثقف أو الشاعر أو الروائي، عندما يريد إبراز شخصيته أو هويته، يسارع إلى إصدار كتابه الأول وتسويقه، كهوية أو كجواز سفر  ثقافي، نزيه خاطر شذ عن القاعدة في هذا المجال، بقي وفياً لمقالاته ولم يدخل في معادلة الكتاب - الهوية، بمعنى آخر بدا كأنه «ملك بلا وريث»، الكتاب يعادل الابن في الثقافة، أو التحفة التي يزعم القارئ أنه يتعرف من خلالها إلى صاحبها.

لا كتاب وريثاً لنزيه خاطر حتى الآن، ربما يكون تركه في خزائنه وأوصى بعض مقربيه بطبعه، وربما كان نزيه خاطر يؤمن بزوال الأشياء والأفكار والمتابعات، ولا ضرورة لأن تتحول كائناً متحفياً يجتمع بين جلدتي كتاب.

لم يصدر نزيه خاطر كتاباً، كانت لديه قناعته بأهمية قلمه ومقالاته قبل كل شيء، بقي حبره يضجّ بالشبابية حتى في سنواته الأخيرة، ينتظره رواد الفن التشكيلي والمسرح، كانت كتاباته محطة أساسية أمام كل عمل.

ايجابية نزيه خاطر أنه ساهم في صناعة الثقافة اللبنانية والعربية، سواء اختلفنا معه أو اتفقنا، كان له طابعه الخاص والفاعل في التحفيز على افتتاح الصالات والمعارض والمسارح والمهرجانات، من كواليس هذه الأحداث كان يمكن كتابة ذاكرات لا تنتهي، لكن خاطر أبى أن يفعل ذلك، بقي يجلس في المقهى حتى الرمق الأخير، كان ينظر إلى رصيف المدينة من خلف زجاج المقهى، يتأمل تحولات المدينة وناسها، راصداً حداثتها ومقاهيها، مؤرخاً لحظاتها وحركاتها، هو ابن المؤرخ المعروف لحد خاطر، لكن الابن مشى بسياق مختلف عن والده، ورثه ثقافياً، لكنه استعمل أدوات مختلفة في الكتابة والنقد.

مات نزيه خاطر، سيكتب الكثير عن أهميته ودوره، وسيشعر كثر بالفراغ الذي تركه في الوسط النقدي، إذ، رغم كثرة الفنانين التشكيليين في بيروت،  لكن  ثمة ندرة واضحة في وجود النقاد الذين يؤسسون لحركة في مسار الفن التشكيلي المستقبلي.

المؤسف أن نزيه خاطر في سنواته الأخيرة، وبعدما أمضى نصف قرن في الكتابة والنقد في إحدى الصحف اللبنانية، كان خارجاً من المستشفى حين وصله عبر البريد أمر صرفه من العمل، كم بدا ذلك السلوك {اللبناني} همجياً لم يراعِ أدنى المعايير الاحترامية لناقد عاش عمره في الجريدة،

وفي لحظة تصرفوا معه كما لو أنه موظف عابر، وهذا السلوك الهمجي كان كافياً لتبيان ما آلت إليه الأحوال في بيروت في السنوات الماضية، سقطت كل المعايير أمام صلافة منطق الشركات.