سألني صديق يصغرني بعشر سنوات، وقد لاحظ أن لدي معرفة بالفنانين الذين ظهروا فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات وبمعظم أغانيهم، كم كان عدد المغنين في تلك الفترة؟! حيث خيل إليه من كثرتهم أن نصف شباب الكويت كان إما عازفا للعود أو الكمان أو مترنماً بالأصوات والأغاني العدنية!
والحقيقة أنه كان مصيباً إلى حد بعيد في تصوراته، فالفن الكويتي كان في أوجه في تلك الفترة الذهبية التي لم تطل كثيراً، فقد حل علينا خفافيش الظلام سريعاً ليحرّموا ويسفّهوا كل ما له صلة بالفن وأهله، وليجعلوا الناس يرون صورة الشيطان خيراً لهم من أن يروا أحد أبنائهم يمسك بآلة موسيقية ليعزف عليها!وفي عام 1982، العام الذي شارك فيه منتخبنا الوطني بين صفوة المنتخبات في كأس العالم، كانت الكويت رياضيا وفي كرة القدم تحديداً على قمة آسيا، فلديها المنتخب الذي يثير الرعب في قلوب كل المنتخبات الآسيوية، بل إن لديها من خارج قائمة اللاعبين الذين يشاركون حصيلة وافرة من اللاعبين الذين يمكن أن يشكلوا منتخباً آخر منها لينافس على البطولة القارية، وربما حصل عليها!لم يأت ذلك الأمر من فراغ، ففي ذلك الزمن كانت الدولة ترعى الفنون، وتهتم بالرياضة، وكانت منارة ثقافية بين كل جاراتها، لذلك انشغل شبابها بالفن والرياضة والثقافة، ولذلك أبدعوا وأنتجوا وتميزوا عن غيرهم، وكان نجاحهم قدوة وحافزا لكل أبناء الدول المحيطة، فمشوا على خطواتنا وأصبحوا بعد سنوات ينافسوننا رياضيا وفنيا، ثم تفوقوا علينا!في ذلك العام، يوم شارك المنتخب الوطني في كأس العالم، لو سألت أي شاب دون العشرين من عمره عن أسماء النواب والوزراء فإنني أجزم أن أكثرهم لن يذكر لك أكثر من ثلاثة أسماء، ولو سألت أحدهم عن شيوخ الدين وفتاواهم لما عرف سوى شيخ مسجدهم الذي يصلي الجمعة فيه، وعلى الأرجح سيعرفه معرفة الوجه لا الاسم!واليوم، ونحن نجلس بخيبتنا، نشاهد بطولة كأس العالم في بيوتنا للمرة الثامنة على التوالي، يعرف شبابنا أسماء النواب واحداً واحداً، وشيوخ الدين متطرفاً متطرفاً، ولديهم معرفة جيدة بـ"داعش" و"النصرة" وكل مجانين السنّة والشيعة ممن يجيدون الشحن الطائفي، لذلك، وبينما كان أبناء "كوستاريكا" ينازعون الهولنديين ورقة التأهل إلى نصف النهائي، كان شبابنا يكسر ممتلكات الدولة ويغلق الشوارع والقوات الخاصة ترد عليه بالغازات والرصاص المطاطي!إنه الحصاد المر لكل ما زرعته الدولة خلال ثلاثين عاما الماضية، فحين أهملت الشباب ولم تستثمر طاقاتهم كما ينبغي، وجد هؤلاء أنفسهم في أحضان السياسيين ورجال الدين ليستخدموهم في صراعاتهم المصلحية والطائفية، وليصبحوا أدوات طيعة في أيديهم، بعد أن تم تقديس شخوصهم وصاروا لا ينطقون عن الهوى، فكل ما يقولونه حقيقة، وما عداه كذب وتدليس وخيانة للوطن!ويا حكومة نائمة في العسل منذ سنين، اصحي قليلا، فيوم تشاهدين الرياضيين يحملون الكؤوس والميداليات الذهبية ستعرفين أنك بألف خير، وأنك تسيرين على الطريق الصحيح، وأنه لا خوف ولا حزن عليك، أما في ظل إهمالك لأنشطة الشباب الرياضية وبخلك الدائم للصرف عليها، وبالملاعب "المحفرة" التي لا تصلح ميدانا للخيل، فمن الطبيعي أن يحدث ما يحدث الآن، فالفراغ والطاقات المهدرة في "تويتر" جعلا الكل سياسياً، ويفهم في السياسة، واللوم لا يقع عليه، فهل لديه شيء آخر ليشتغل فيه؟!
مقالات
الحصاد المر!
10-07-2014