تشير الأعمال السينمائية المعروضة في السنوات الأخيرة إلى تضاؤل شخصية الأم، كبطل ومحرك رئيس في الأحداث، حتى وإن كانت هكذا فمساحتها ضعيفة مقارنة بشخصية الابن البطل التي يجسدها الشباب، لذا هي {سنيدة} لهم، كما هي الحال بالنسبة إلى المرأة الممثلة عموماً التي، رغم مجهودها ورغبتها في تحمل مسؤولية فيلم كامل، إلا أن المنتجين يرفضون هذه المغامرة، إلى جانب قلة القصص التي تضع الأم أو الأنثى كشخصية رئيسة فيها.
فرص متفاوتةتوضح رجاء الجداوي أن الأم طالما هي متقدمة في السن لن تظهر بطولتها في السينما إلا من خلال أبنائها، ويكون وجودها كرمز لأم أحسنت تربية أولادها أو أهملتهم، ويتوقف ذلك على النص المكتوب.تضيف: {أمينة رزق، فردوس محمد، وكريمة مختار لم يؤدين بطولات فعلية على شاشة السينما، وإن كانت الأخيرة نالت هذه الفرصة في الدراما على غرار مشاركتها في مسلسل {يتربى في عزو}.تتمنى الجداوي تقديم أفلام تتمحور حول ما تقوم به الأم في سبيل أولادها، مع التركيز على أن ذلك واجبها وليس منّة منها، وحول المرأة العاملة ومحاولاتها الدؤوبة لإقامة توازن بين العمل والأسرة، {فهي إما تخرج جيلا عظيماً أو فاشلا}، لافتة إلى أن كل هذه الأفكار من شأنها إبراز الأم كبطلة في السينما.تعزو السيناريست مريم نعوم تهميش دور الأم في السينما إلى صناعة السينما نفسها، وتقول: {الشباب هم النجوم راهناً، بالتالي تُقدّم أعمال تلبي احتياجاتهم ورغباتهم، وتتواءم مع طريقة تفكيرهم، ووفقاً لذلك لا يقتصر الأمر على المرأة وحدها، إنما على الرجل أيضاً باعتباره {أباً}، لذا يظهر كل منهما بشكل ثانوي في الأفلام}.ترفض نعوم فكرة أن الفنانات مظلومات من ناحية أدوار البطولة، لا سيما أن كثيرات نلن هذه الفرص، وتضيف: {في التسعينيات كانت نادية الجندي ونبيلة عبيد أهم نجمتين في السينما، وتتصدران أي ملصق، ومن بعدهما تُدرج أسماء الممثلين الرجال المشاركين في أعمالهما، فضلا عن يسرا، وليلى علوي، وإلهام شاهين، ما يعني أن لكل مرحلة ملامحها ومتطلباتها، والمرحلة التي نمر بها يقلّ فيها ظهور الأم، وليس بسبب الفنانة الشابة}.تشير نعوم إلى أن دور الأم في الأفلام القديمة كان مهمّشاً وموجوداً ضمن سياق الأحداث، أي ليست عضواً مؤثراً، بينما لها حالياً دور فاعل، وفي بعض الأحيان تكون هي محور الحدث.تتابع: {تتحكم المتغيرات الاجتماعية في أدوار الأم؛ كانت الأعمال القديمة تسيطر عليها فكرة أن الفتاة يجب أن تتزوج وتصبح أماً، أو أنها بالفعل متزوجة ولديها مشكلاتها كأم، لكن مشاكل المرأة حالياً لا ترتبط بالأمومة والزواج فحسب، لوجود شريحة لم تتزوج ولم تنجب، لذا اختلفت المنظومة بالكامل، ولم يعد وجود الأم في العمل نابعاً من كونها أماً، إنما من خلال شخصيتها الفاعلة}.تقصير دائمثمة تقصير دائم في أدوار الأم، برأي المخرجة هالة خليل، وهذا جزء من الأدوار التي تقدمها المرأة في السينما، {لا يتعلق الأمر بكونها بطلة، إنما بموضوع خاص بالمرأة عموماً، سواء أدت دور أم أو غيره، من هنا يجب تناول حضورها بشكل صادق وحقيقي وعميق، وليس لكونها مكملة لأدوار الرجال الذين يحتلون أكبر مساحة أدوار في تاريخ السينما المصرية. تعزو خليل ذلك إلى كون المجتمع ذكورياً من الأساس، وميل المنتجين إلى موضوعات يؤدي بطولتها ذكور، اعتقاداً منهم بأن النجوم الرجال هم الأوفر حظاً جماهيرياً، مع أنهم لم يمنحوا النساء فرص بطولة حقيقية طويلة المدى، وإن منحوها مرة لا يكررون محاولتهم التي من شأنها، في حال استمرت، إقناع الجمهور بأن الموضوعات النسائية ثرية ولديها قدرة على الجذب، واصفة ما يحدث بأنه انحياز إلى قضايا الذكور.تشير إلى أنها تعاني من سيطرة هذا الفكر، فعندما ترغب في تقديم فيلم يتمحور حول المرأة لا تجد منتجاً يغامر بأمواله فيه، {هذه حال الكاتبات والمخرجات وحتى الممثلات، في حين أنه إذا كان الفيلم من بطولة رجل، أو قصته عن رجل فيكون الأمر بسيطاً، ومن السهل عرض الفكرة على المنتج الذي يوافق على الفور}.تؤكد أن عالم النساء ثري للغاية، سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون أو في الفنون عموماً، وإن كان المؤلفون لم يتناولوه كثيراً، وثمة قضايا وأنماط لم يتم تقديمها من قبل، لافتة إلى أنها لا تغازل المسألة التجارية بأعمالها، بل ترغب في تقديم أعمال حقيقية.بدوره يوضح الناقد نادر عدلي أن أفلاماً قديمة عدة أعطت مساحة واسعة للأم من بينها: {بداية ونهاية} لأمينة رزق، الذي جسدت فيه شخصية أم لأربعة أبناء، أدى أدوارهم فريد شوقي، حسين كمال، عمر الشريف وسناء جميل، ويعتبره عدلي أحد أقوى الأعمال التي أبرزت مسؤوليات الأم بشكل أساسي، {ترجع أهميته إلى أنه من تأليف نجيب محفوظ، وبطولة الأم فيه واضحة وشكلت عنصراً أساسياً، رغم طموح الأولاد الأربعة.كذلك يذكر عدلي أفلام: {دعاء الكروان} لأمينة رزق، {لا تسألني من أنا} للفنانة المعتزلة شادية الذي أظهر معاناتها نتيجة الفقر، وقسوة الزمن، واضطرارها لبيع أولادها لعدم قدرتها على الإنفاق عليهم.يرى عدلي أنه بخلاف هذه الاستثناءات تظهر الأم كمكمل للدراما، ما يؤكد قاعدة أن السينما تقدَّم دائماً للشباب باعتبارهم العنصر المحرك فيها، كون جمهور السينما في الأغلب من هذه الفئة، وهذه مسألة عالمية، ولا تقتصر على مصر فحسب.مجتمع ذكورييوضح د.مدحت عبد الهادي، أستاذ علم النفس، أن القيمين على العمل السينمائي، من كتّاب ومخرجين ومنتجين، هم ذكور، من دون أن ينسى أن بعض الأفلام التي اهتمت بالمرأة، كانت هي ذاتها عنصراً أساسياً في فريق العمل فيها كالفنانة كوكا، أو المنتجة آسيا التي منحت المرأة عموماً، وليس الأم وحدها، أدواراً كبيرة في أفلامها.يضيف: «لأننا مجتمع ذكوري تلقي السينما الضوء على الرجل أكثر لاعتقاد سائد بأن دوره أكبر من دور المرأة في الحياة، مع ذلك ثمة أفلام تناولت دور الأم بشكل موضوعي، لكنها أقل مما يجب أن يكون، إلى جانب أنها تتمحور حول التضحيات فحسب، فيما يجب التطرق إلى أبعاد أخرى منسية، كزرع قيم معينة في نفوس الأبناء، ما يؤكد أن الدراما العربية لا تؤدي دورها كما يجب.
توابل
تهميش أدوار {الأم} في السينما... بين سيطرة الشباب ومعايير السوق
20-03-2014