في فيلمٍ للراحل عاطف الطيب بعنوان الهروب يرتكب البطل أحمد زكي جريمتين تحت تأثير ظروف قاهرة ويُلقى القبض عليه ويودع السجن، في تلك الأثناء ترتكب الشرطة المصرية مجزرة بحق الإسلاميين في جامعة القاهرة. وفي حركةٍ لإلهاء الناس عن هذه الحادثة يسهّل الضابط (محمد وفيق) طريق هروب للمجرم الخطير أحمد زكي، وتنشر الصحف في اليوم التالي نبأ هروب المجرم من السجن وينسى الناس ما حدث في الجامعة. يطلق الضابط على المجرم الخطير "عصا موسي". وفي حوار بين محمد وفيق ومسؤوله الأكبر يسأله الأخير "أنت كنت فين" فيرد" في أميركا يا فندم"!

Ad

عصا موسى الأميركية اليوم هي ما يسمى "داعش" وليست مصادفة أنها ترتدي ثياب الجهاد، وتخرج للواجهة في الأوقات التي يسهّل لها فيها الخروج لتقتل حدثاً مهماً ويطغى خبرها على أخبار غيرها. تعلم الإدارة الأميركية أن "داعش" ربيبتها كما تعلم أن نظير داعش الشيعي أيضاً ربيبتها. وهي تعرف أيضاً أن ثقافة العاطفة العربية مازالت تطغى على ثقافة العقل، وليس أكثر تأثيراً في العاطفة العربية من الرمز الديني وارتباط العربي به والدفاع عنه والموت دونه. ولكي ترتبك الأمور وتختلط الأوراق الحقيقية بالأوراق المزوّرة لابد من اللعب على الحس الطائفي الذي تم تجهيزه منذ عام 2003 وأصبح جاهزاً للانفجار في أي لحظة.

ما حدث في سورية كان ثورة شعبية قدرها أن تنجح كأي ثورة، لم تكن ثورة سنية على العلوية، ولم تكن ثورة سنية على الشيعة، كانت ثورة على الاضطهاد والظلم الذي خيّم على الشام تحت حكم البعث السوري. وكان للثورة أن تنجح، ولكن ما حدث أن أميركا حركت عصا موسى لتختلط الأوراق بين ثوار سورية المناضلين من أجل وحدتها وحريتها وديمقراطيتها وفصيل مختلق أجهز على الثورة، وجعل كل من آمن بها كافراً بها. لم تحدث مواجهة بين داعش والنظام السوري، ولم تقتتل الفئات العلوية مع "داعش" السنية، ولم تقاتل الشيعة "داعش"، واقتصر قتال "داعش" في المناطق التي تحررها قوات المعارضة وهي المناطق السنية تحديداً.

ما حدث في العراق ثورة شعبية في المحافظات السنية كان يمكن أن تنجح وتستولي على جزء كبير من العراق، وكان لابد من عصا موسى مرة أخرى لإجهاض الثورة، وتحويلها إلى المآل الذي آلت إليه الثورة السورية. لا يحدث ذلك عبثاً ولا عشوائياً، ولهذا يرفض السيد في البيت الأبيض أن يقدم أي دعم لمواجهة مباشرة مع "داعش" ويكتفي بالتدخل للمساعدة.

السؤال الأهم كيف تفكر داعش؟ هي تبحث في كل هذا عن دولة تسميها دولة الخلافة الإسلامية. وفي الوصول إلى هدفها ترى كل الدماء المسفوكة تضحيات مستحقة في سبيل ذلك. وموعودة من سيدتها الكبرى بتحقيق ما تريد. ودخولها المناطق السنية الثائرة يجعلها مقبولة أكثر من دخولها مباشرة لدمشق وبغداد. وهي بالتأكيد سيتم دعمها لتشكيل الجانب السني في المعادلة المقبلة للصراع المرير الذي بشرنا به كيسنجر وبرنارد لويس والذي سيكفل لأميركا فوضى خلاقة ولإسرائيل سعادة أبدية وشقاءً طويلاً لهذه الأمة المنكوبة.

أما لماذا حدث كل هذا؟ فذلك حديث آخر.