شكراً كفاية
أثناء مأدبة العشاء التي أقامها سفيرنا في واشنطن الشيخ سالم الصباح على شرف صاحب السمو أمير البلاد، حفظه الله، أثناء زيارته لواشنطن دار الحوار التالي: أحد الحضور خاطب سموه قائلاً: "أعرفك يا طويل العمر على دكتور وضاح الرفاعي اختصاصي جراحة الأورام السرطانية، ويرأس حالياً قسم جراحة الأورام في جامعة جورج تاون". بالطبع انتابنا جميعاً الشعور بالفخر كون رئيس قسم الجراحة في تلك الجامعة الأميركية العريقة هو طبيب كويتي. وبنفس مشاعر الفخر، خاطب سموه الدكتور وضاح قائلاً: "لماذا أنت هنا؟ إرجع إلى الكويت فهي بحاجتك"، فرد الشيخ أحمد الفهد مخاطباً سموه: "إن هؤلاء الدكاترة يحتاجون إلى مراكز أبحاث لإجراء بحوثهم، إن شاء الله نفتح لهم مراكز أبحاث وبعدها سوف يرجعون جميعاً". شعوري وقتها، والذي احتفظت به لنفسي بأن هذا التبرير لهجرة الأطباء ما هو إلا تسطيح للمشكلة، التي هي أعمق من ذلك بكثير، وكنت على وشك التعليق بأن الكويت أصبحت بيئة طاردة للكفاءات وحاضنة للفساد، ولذلك يهاجر الأطباء يا طويل العمر. وتأتي حادثة الدكتورة كفاية لتعري الوجه القبيح للفساد السياسي والإداري والأخلاقي، حيث يأتي وزير من أبناء الأسرة خدمته جيناته ليكون على رأس وزارة بأهمية وزارة الصحة لا يفقه فيها شيئاً ليعاقب دكتورة مختصة بالعناية المركزة ومن الكفاءات المميزة المخلصة والمتفانية في عملها، وينفيها إلى مستشفى لا توجد به وحدة للعناية المركزة لتجميدها، وذلك إرضاء لنائب اعتقد أن صحة والده شفاه الله وأطال في عمره أهم بكثير من حياة مرضى آخرين بحاجة ماسة للعناية الفائقة. هذا مثال واحد من أمثلة لا تحصى لمسلسل الترضيات وشراء الولاءات الذي يمارسه البعض في مراكز صنع القرار. المصيبة أن هذا المسلسل يطال مهنة متعلقة بالحفاظ على أرواح البشر.
دكتورة كفاية أحمل في نفسي شعوراً بالامتنان والعرفان ومن كل قلبي أقول لك شكراً. شكراً لأنك لم تنفذي أوامر الوزير وتدخله السياسي في أمر فني بحت متعلق بأرواح البشر، ودافعت عن حقك المكتسب في اتخاذ القرار المناسب. شكراً لأنك بررت بقسمك ونظرت لكل المواطنين والوافدين بعين سواء لا يفرق بينهم غير وضعهم الصحي. شكراً لأنك ضربت مثالاً جلياً في صحوة الضمير والالتزام بأخلاقيات المهنة لدى من لا يعرفون من الأخلاق غير مسماها. شكراً لأنك قدمت نموذجاً للأطباء المبتدئين ممن تدربوا على يديك في المهنية والتفاني في العمل والثبات على المبدأ والصمود في مكافحة الفساد. شكراً لأنك أحييت الأمل فينا وجددت ثقتنا بأطبائنا ممن هم على شاكلتك، فحقاً لو خليت خربت. شكراً دكتورة كفاية لأنك عريت من يتعامل مع مؤسسات الدولة على أنها عزبته الخاصة. هل عرفتم الآن لماذا يهاجر الأطباء ذوو الكفاءة؟ لأنهم محاربون. وللدكتور وضاح نقول: الله يلوم اللي يلومك.