لأن تعقيداتٍ كثيرة طرأت خلال العامين الماضيين ولأن دماءً غير متوقعة سالت خلال هذه الفترة، فإن هناك مَنْ أصيبوا بخيبة أمل مما سمي "الربيع العربي"، وهذا الاسم كان اختراعاً غربياً ليس للعرب فيه أي دور، وباتوا يتحسرون على "البيادق الديكتاتورية" التي سقطت، كما باتوا يبررون كل هذا العنف المرعب الذي ترتكبه أنظمة من المفترض أن حركة التاريخ كان يجب أن تجرفها منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقبل ذلك، بل منذ ستينيات هذا القرن.
إنه من المعروف أنَّ لمخاض التحولات التاريخية الفاصلة أوجاعاً لا تُحتمل وأن الثورات، التي جبَّت ما قبلها وترتبت عليها تغيُّرات سياسية واجتماعية وثقافية غيرت توجهات العالم بأسره، لم تستقر على أوضاعها النهائية إلا بعد سنين طويلة جرت خلالها أنهار من الدماء وعُلِّقت إبانها المشانق في أمكنة متعددة، ولعل الثورة الفرنسية العظيمة، التي هي أم الثورات كلها، هي المثل الواضح على هذه الحقيقة التي يجب استذكارها ونحن نشاهد كل هذا الذي يجري في العديد من دولنا العربية. إنَّ هناك دائماً وأبداً ثورة وثورة مضادة، ولهذا فإنه أمر طبيعي أنْ تواجه ثورات "الربيع العربي"، الذي لا نزال في بداياته رغم مرور كل هذه الفترة، مقاومة عنيفة وإراقة دماء غزيرة، فالأنظمة الاستبدادية لا تُسلِّم ولا ترفع أيديها بسهولة، والتغيير له ضريبة مكلفة يجب أنْ تدفع بدون أي تردد إذا أردنا للأجيال العربية المقبلة ألا تعاني ما عانته هذه الأجيال والأجيال التي سبقتها، وإذا أردنا أنْ تزول وبشكل نهائي الغمامة التي خلفتها في بلداننا أنظمة الانقلابات العسكرية التي لا يزال بعضها يتمسك بمسيرة طويلة من القهر ومصادرة حريات الناس وسلب إراداتهم. وحتى بالنسبة لمنْ واجهوا "تسونامي" الربيع العربي بمماشاته بكل عقلانية وبالبناء السريع على ما كان أُنجز من إصلاحات سابقة وبالابتعاد عن العنف وبتحمل نزوات بعض الذين ركبوا هذه الموجة لدوافع شخصية وثأرية فإن عليهم أن يتحلوا بالصبر وبطول البال وعليهم أنْ يواصلوا العضَّ على الجرح، وأن يواصلوا العملية الإصلاحية بالتأني والصبر، وأن يتجنبوا القفزات غير المحسوبة العواقب، كما أنَّ عليهم أن يتجنبوا الإصابة بخيبات الأمل بسبب عدم إنجاز ما يريدون إنجازه بالسرعة التي يريدونها. إنه ما كان من الممكن إطلاقاً، على سبيل المثال، أن يحدث في الأردن ما يحدث الآن في دول عربية مجاورة، كما أنه ما كان من الممكن أيضاً أن تأخذ هذه الدول المجاورة بالأسلوب الأردني في التعاطي مع هذا "الربيع العربي"، فهناك اختلافات جوهرية بين طبيعة النظام الأردني وتركيبته وقِيَمهِ وبين تركيبة أنظمة هذه الدول العربية المجاورة التي بدأت بسفك الدماء واستمرت بسفك الدماء والتي تنظر إلى شعوبها على أنها قطعان لا تقاد إلا بالعصيِّ وبأعواد المشانق وبالزنازين والمعتقلات وبالمذابح الجماعية. إنَّ في تجاربنا العربية المتعددة شيئاً اسمه شرعية الإنجازات، بالإضافة إلى الشرعية التاريخية، ولهذا نجد أن بعض الدول العربية قد تعاملت مع تسونامي "الربيع العربي" بالرفق واللين وبالاحتضان الحقيقي وبالإسراع لملاقاته ليس في منتصف الطريق بل في بداياته، وهذا ما جنّبها الذي يجري الآن في الدول التي ابتليت بأنظمة أخذت شرعيتها بالعنف ومن ميادين الإعدامات، ومما سمته ثورات وهو انقلابات عسكرية بلغ عددها في بعض هذه الدول أكثر من اثني عشر انقلاباً خلال نحو عقدين من الزمن فقط.
أخر كلام
رفقاً بهذا «الربيع العربي»!
01-11-2013