في حدث استثنائي وفي مرحلة بالغة الدقة تمر بها المنطقة واستشرافاً للمستقبل، جاء المؤتمر الأول لقسم العلوم السياسية لكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، بعنوان "التحديات والتحولات أمام دولة الكويت ومنطقة الخليج في العقد الحالي 2013 – 2020" ضم نخبة من أهل الفكر والسياسة والدبوماسية، وعلى امتداد يومين طويلين حافلين بأوراق عمل مقدمة من خبراء وأهل اختصاص ومداخلات ثرية من جمهور الحضور وطلاب وطالبات قسم العلوم السياسية، تم تسليط الأضواء الكاشفة على التحديات الداخلية والخارجية المختلفة التي تواجه منطقة الخليج في حاضرها وفي مستقبلها، وصولاً إلى توصيات ومرئيات تقدم حلولاً وبدائل من شأنها أن تساعد متخذي القرار السياسي في تعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك وفي تحصين البيت الخليجي تجاه التطورات والأحداث الإقليمية والدولية.
أذكر أن الآباء المؤسسين "قادة الخليج" واجهوا في الماضي مخاطر وتحديات أكبر وأعظم وعبر 31 عاماً (عمر مجلس التعاون) استطاعوا بقوة إيمانهم بالله تعالى وحسن اتكالهم عليه وبحكمتهم وحنكتهم، أن يقودوا سفينة "التعاون الخليجي" إلى بر الأمان، لينعم الخليج بهذا الازدهار والأمن والأمان، الخليج اليوم هو الكيان الأكثر إشراقاً في المنطقة العربية والأعظم إنجازاً في مجالات التنمية والأكثر استقراراً للأوضاع السياسية، لكن طموحات الخليجيين أكبر وأعظم، هم لا يقنعون بما تحقق، أعينهم على المستقبل وتطلعاتهم إلى غد أفضل، وآمالهم لا تحدها حدود، فالخليج بإمكاناته وموراده وطاقاته ومكانته الدولية وتحالفاته بالقوى العظمى، قادر على أن يكون في وضع أفضل سياسياً واقتصادياً وأمنياً وأن يكون له دور إيجابي أكبر في حماية مصالحه والمصالح العربية العليا في موازاة الأدوار الإقليمية الأخرى.الأوراق المقدمة للمؤتمر ناقشت وحللت وشخصت التحولات في المنطقة العربية- أسبابها وجذورها- وكشفت عن تداعياتها وتأثيراتها على منطقة الخليج سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً ودولياً، كما ساهم سفراء ودبلوماسيون في الحلقة النقاشية الختامية، فأثروا المؤتمر من واقع تجاربهم العملية، وقدمت أوراق حيوية متعوب عليها لا يتسع المجال لذكرها وسيصار إلى طبعها وإصدارها من قسم العلوم السياسية، لكن لا بد من التوقف أمام ورقة د. حسن جوهر، الأستاذ بالقسم، فهي تتناول قضية الشباب باعتبارها قضية أمن وطني خليجي يجب كسبها وهي قضية المستقبل، النظرة التحليلية للأرقام المتعلقة بالشباب تشكل جرس إنذار، فالفئة العمرية (15– 24) تشكل 20 في المئة من حجم السكان، وما دون (30) عاماً يشكل 70 في المئة أما أعداد الخرجين حتى 2020 ستكون 15 مليوناً، الشباب نواة الثقافة السياسية التي من سماتها: الحماسة، والجرأة، والتمرد على الواقع، والتحدي لإثبات الذات، لهم اهتماماتهم وتصوراتهم المختلفة عنا، يرون أنفسهم (قوة شرعية) ينبغي أن تكون لها كلمة في القرار السياسي، وهؤلاء يشكلون قوة عملاقة يحسن فهمها وكسبها.كما أشير إلى ورقة د. محمد السعيد إدريس، الكاتب والمحلل السياسي المعروف، التي طرحت تساؤلاً مهماً: مصر إلى أين؟ وأجاب: بأنها إلى كل خير وأنها عائدة إلى هويتها وعمقها العربي، راهن الباحث على "الشعب المصري" الذي عمل ثورتين ووضع رئيسين في السجن خلال سنتين (أولاً)، وعلى "الشباب المصري" الذي لن يسمح بسرقة ثورته مرة أخرى (ثانياً)، وعلى "الجيش المصري" الحافظ لوحدة مصر (ثالثاً). وركز على أهمية اللقاءات بين النخب الخليجية والعربية حول الشأن الخليجي كما هو حاصل في طهران بين باحثين عرب وإيرانيين، وقال: "يعز علينا أنه لا توجد مثل هذه اللقاءات بيننا"، وتساءل: "أين الدور العربي؟"، ورأى في انحسار النفوذ الأميركي فرصاً جديدة لتعزيز ربط الأمن الخليجي بالمصري ولكن بشرط إعلان مشروع الاتحاد الخليجي، ودعا إلى إحياء "النظام العربي الجديد" بمفهوم جديد، ورأى أن العلاقات الخليجية الإيرانية يجب أن تقوم على قاعدة "توازن المصالح" لا توازن القوى.أخيراً دعونا نتوقف ملياً أمام ورقة مهمة للدكتور محجوب الزويري، أستاذ التاريخ بجامعة قطر، الحاصل على الدكتوراه من جامعة طهران، فقال: الحديث حول إيران والخليج هو من قبيل السهل الممتنع، له حساسية عالية، ولكن هناك 4 مسلَّمات حكمت هذه العلاقات: 1- حقيقة الجغرافيا السياسية التي جعلت من إيران جاراتنا المسلمة المتحدية على الضفة الأخرى، فقد كان البشر يتحركون بحرية بين الضفتين قبل تكون الدولة الخليجية وكان طابع العلاقة بينهما يقوم على "التحدي والخصومة".2- الخصومة: هي التي سيطرت في ما بعد على العلاقات بعد ظهور الدولة الخليجية الحديثة.3- الخطأ في الحسابات "دائماً" إذ لم تكن إيران حضناً دافئاً للعرب.4- التسطيح والاختزال: وذلك بالتركيز على البعد المذهبي والتخويف من الغزو الشيعي كهاجس في هذه العلاقات، مع أن إيران لم تركز على البعد المذهبي في سياستها الخارجية وعندنا "مثال أذربيجان"، فإيران على امتداد تاريخها مارست ومازالت سياستها الخارجية من منطلق أنها "دولة قومية" أساساً، وقد نجحت إيران في التسلل إلى أوروبا وأميركا وكسب تعاطف نخبها بطريقة ناعمة وسلسة، الأمر الذي افتقده العرب.وأشار الزويري إلى العوامل التي تشكل رصيداً لنا لو أحسنَّا توظيفها، كالتغير السياسي في إيران وسوق الطاقة والصحوة العربية الثالثة، وتساءل: "في ضوء التقارب الأميركي الإيراني والاتفاق المرحلي حول البرنامج النووي، كيف نتعامل مع إيران مستقبلاً؟". وأشار إلى أن إيران، عالم متحرك وأن النخبة السياسية الحالية ستغيب غداً عن المشهد السياسي وستأتي قوة شبابية، وفيما يتعلق بالاتفاق المرحلي، قال: "إن الفشل وارد إلا إذا استطاع المرشد أخذ الحرس الثوري والاستخبارات معه". على أن النقطة التي استوقفتني كثيراً وأراها شديدة الأهمية هي ما ذكره الباحث من أن الخليجيين لا يعرفون إيران حق المعرفة، لا يعرفون ثقافاتها ولا يدرسون أطيافها وطوائفها، ولا يترجمون إنتاج كُتَّابها ومفكريها ولا يتواصلون مع مثقفيها وسياسيها، يفتقدون المراكز البحثية المتخصصة في الشأن الإيراني، يعقدون ندوات ومؤتمرات ولا يدعون كتاباً وسياسيين إيرانيين، حتى المطبوعات الإيرانية وصحفها لا تكاد تدخل الساحة الخليجية، في المقابل، لدى إيران العشرات من المراكز المتخصصة في الشأن الخليجي فضلاً عن العديد من المؤتمرات التي يدعى إليها باحثون عرب حول الخليج إضافة إلى ترجمة الكتب العربية، ومن هنا فإن إيران تعرف الخليجيين والعرب جيداً وقد نجحت في التسلل إلى مواطن الضعف في العمق العربي، لكننا لم ننجح في اختراق العمق الإيراني لأننا لا نعرف إيران معرفة حقيقية، دعوة الباحث للتعرف على إيران دعوة محقة وضرورية، وقد ذكرتني بما أطلقه الكاتب أنيس منصور عقب هزيمة 1967 تحت شعار "اعرف عدوك" فقد هزمنا لأننا لم نكن نعرف اسرائيل.آخر الكلام: فوز دبي بـ"إكسبو 2020" والدوحة قبلها بمونديال 2022 يعززان ثقة الخليجيين بمكانتهم الدولية ودورهم الإيجابي في المجتمع الدولي.* كاتب قطري
مقالات
اعرف جارتك المسلمة «إيران»
02-12-2013