وثيقة لها تاريخ: «مقبل بن عبدالرحمن الذكير» معين الضعيف ومغيث الملهوف
قبل عدة مقالات جاء ذكر شخصية خليجية بارزة في حينها، ووعدتكم بالتطرق إلى تفاصيل حياتها، وهو التاجر الكبير والسياسي مقبل بن عبدالرحمن الذكير. وكان الحديث عنه في معرض حديثنا عن شيخ دارين محمد بن عبدالوهاب الفيحاني الذي كانت علاقاته وثيقة بشيوخ الخليج وشخصياتها البارزة آنذاك، إلى جانب ارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالدولة العثمانية.أما مقبل بن عبدالرحمن الذكير فهو رجل من طراز مشابه لمحمد بن عبدالوهاب، وله صولاته في المنطقة وسمعته الطيبة الكبيرة بين رجالاتها وقادتها. طبقاً لمدونة المؤرخ البحريني بشار الحادي، ولد مقبل الذكير في عام 1844 بمدينة عنيزة، التي استقر بها بعض أجداده عندما رحلوا من الزلفي موطنهم الأصلي. وبعد سنوات طويلة، قرر مقبل أن يهاجر إلى مدينة جدة للتجارة في مجال اللؤلؤ، وهناك وفقه الله وفتح له باب الرزق واسعاً، لكنه في عام 1877 قرر النزوح إلى البحرين بعد معرفته بالأهمية الكبرى للبحرين في بيع وشراء اللؤلؤ.
وفي البحرين برز كتاجر كبير وشخصية لها احترامها في جميع مناطق الخليج العربي، وكان الناس يقصدون بيته للاستضافة عند زيارتهم للبحرين، وكان يقوم برعايتهم وإكرامهم ولا يبخل عليهم بشيء. من أعماله الخيرية التي قام بها ترميمه مسجدا قديما بالمنامة اسسته أسرة "القناعي"، وثابت اسم المسجد في وصية كتبها الحاج محمد بن خميس في بداية القرن التاسع عشر الميلادي. كما قام بحفر عين ماء بجانب المسجد، وجعلها سبيلاً لوجه الله تعالى. وفي عام 1913 أسس بالتعاون مع التاجر المشهور يوسف أحمد كانو "النادي الأدبي الإسلامي"، بهدف توعية المجتمع وتحصينه ضد الحملة التبشيرية المسيحية في منطقة الخليج آنذاك. وفي ما يتعلق بنشاطاته الدينية والأدبية والعلمية، كان رحمه الله مهتماً بعلوم الشريعة الإسلامية، وكان يقتني الكتب من خارج البحرين، بل ويقوم بطباعة بعض الكتب المهمة لتوزيعها على الدارسين والباحثين. وترك من بعده رسائل عديدة بينه وبين الشيخ أبوبكر بن عبدالله الملا الإحسائي، معظمها عبارة عن أسئلة وأجوبة في مسائل دينية.وله كذلك مراسلات عديدة منشورة في مدونة "الحادي" مع الشيخ محمد بن عبدالرزاق آل محمود، والشيخ محمد رشيد رضا (راعي المنار)، والشيخ محمود شكري الألوسي. وله أيضاً آثار في المجال السياسي كدعمه للثوار الليبيين ضد الاستعمار الإيطالي، وسعيه للوساطة بين الشيخ مبارك الصباح والتاجر يوسف الإبراهيم في نزاعهما المشهور.وعندما تقدم به العمر، قرر العودة إلى مسقط رأسه "عنيزة"، وبنى بها مدرسة وبجانبها بيت تابع لها، وتوفي في مدينة عنيزة ليلة السابع والعشرين من رمضان عام 1341هـ الموافق عام 1923م. وقال عنه قاضي قطر الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع: "الطاهر النقي، والعابد التقي، الناسك البر الأواه، الباذل في سبيل الله طلباً لرضاه... كم من ضعيف أعانه، وملهوف أغاثه، ومعسر يسر عليه، وكان رحمه الله وصولاً لأرحامه، بارّاً بأصحابه... وله من الصدقات على عموم المسلمين ما يعجز عن القيام به غالب الناس". وقال عنه الشيخ محمد صالح الخنجي: "كان تاجراً كبيراً، ومتعلماً، وله مراسلات بواسطة وكلائه في الهند وشرق إفريقيا والبلاد العربية وأوروبا أيضاً".وبهذا المقال عن المرحوم مقبل الذكير أختم حديثي، الذي استمر ستة أسابيع، عن ميناء دارين وجزيرة تاروت والشخصيات البارزة التي ارتبطت بهما في القرنين التاسع عشر والعشرين.