يقول الشاعر فاروق شوشة إن لبنان فقد خلال أيام قلائل شاعرين كبيرين، وإن رحيلهما خسارة فادحة للشعر العربي في لبنان. يضيف أن الشاعر أنسي الحاج أحد رواد قصيدة النثر، وله إسهاماته الكبيرة التي كرسته في الوجدان العربي، حيث كان لقصيدته وبراعته في الولوج إلى جوهر الكلمات وما تحمل من موسيقى داخلية أثر كبير في ترسيخها، فرحيل أنسي الحاج خسارة ثانية للشعر اللبناني بعد رحيل جوزيف حرب.

Ad

بدوره يقول الشاعر حسن طلب إننا فقدنا، بوفاة الشاعر أنسي الحاج، الإدهاش والإثارة وأسئلة اللحظات الحرجة في حياتنا، ولكن ما يعزينا بقاء قصائده وأعماله الشعرية، مضيفاً أن أنسي الحاج تميز بصوته المتفرد في مدرسة الشعر النثري، ومتذكراً بعض أبيات الحاج في قصيدته «كنا نحسب الفراغ نبيذاً»:

كان صوتك هضبة تغطيها المياه

 وكانت مراكبنا سودًا

 أراضينا بورًا

 شموعنا صخورًا

 كنا نخطئ بالصغيرة والكبيرة

 نحسب الفراغ نبيذًا

 والرمل على الرمل القمحَ والذهب

 وكُنّا نَحفظ الأوراق لنَحفظ

 ونَعبد الآثار لنعبد

 ونُخبّئ لنُخبّئ،

 حتّى جئت

 فلم ننظر إلى ما كان

 غير نظرة!

 ولمّا البحارُ تشقّقت

 وأشَعَّ صوتك

 هَوَينا إليه كمياه

 صرت المياه

 صرت المطر

 ونزل الوقت

 نُزول الرعاة من الهضبة.

مؤسس لحداثة

الشاعر البهاء حسين يقول: «رغم أن أنسي الحاج لم يكن واحداً ممن أتتبع خطواتهم أو تشربت بصمتهم الخاصة أو حتى ممن احتلوا ركناً خاصاً بمكتبتي، إلا أنني أدرك قيمة هذا الرجل وأعلم جيداً قيمة فقده، وليس من قبيل التعازي المرسلة أن أقول إن رحيله خسارة فادحة للشعر، حتى وإن توقف عنه كشاعر «بالأساس»، فالحضور ليس وجوداً فقط بقدر ما هو حضور متجدد وخطوة يقتفيها الآخرون ليسيروا عليها في طور التشكيل على الأقل... أنسي الحاج يساوي نقلة نوعية في مسيرة القصيدة العربية وتأسيساً لحداثة كانت تخصه رحمه الله.

يضيف: «لم يكن أنسي الحاج يكتب شعره حسب المسطرة الموروثة مثلما يكتب الآخرون، بل كانت له تجربته الخاصة التي تقوم على الكلام الجوهري الذي ينظف الروح ويطهرها، وخبر رحيله مؤلم، فهو أحد رواد قصيدة النثر الذي أعطاها مصداقية لدى القراء والنقاد».

يرى الشاعر كريم عبدالسلام أن أنسي الحاج أحد أكثر الشعراء تفرداً في تاريخ الشعر العربي الحديث، وأن الكلمات تضيق عن وصف غياب هذا الرجل.

يضيف: «كان الرجل يعتقد أن الموت نوعاً من الوجود الجديد أو تحدي الوجود، تحدي ما أنجزه الشاعر، ما استطاع أن يمسكه بيديه وبذهنه الخلاق وبخياله الخصب وبروحه الوثابة من هذا العالم الذي يمر به كما يمر النيزك أو الشهاب، وعندما نسترجع كلمات أنسي الحاج نجده هو الذي يقول عن نفسه: «منذ لحظات مت، وقمت، مت وقمت، مت وقمت»، هذا هو أنسي الحاج، لا يصف غيابه إلا كلماته ولا يستطيع أن يحيط بحجم الخسارة التي سببها هذا الغياب، عزائي أن كلماته باقية معنا، وأن قيمته درس لنا، وأن ثورته الشخصية على الشعر وفي الشعر هي إضاءة لكل شاعر، إضاءة تستحق أن نقف منها موقف الدارس وموقف المتعلم...» متسائلاً: هل غاب أنسي الحاج؟ ويجيب: «لا لا أظنه يغيب».

صاحب بصمة

يعتبر الشاعر حسن خضر أن فقدان أي أديب يكون مؤثراً، مؤلماً، محزناً، خصوصاً إذا كان شاعراً، وتحديداً لو كان قامة كبيرة ومؤثرة وصاحب بصمة خاصة مثل الراحل العظيم أنسي الحاج، أحد أهم شعراء الحداثة، مشيراً إلى أن «أنسي الحاج لم يكن طليعياً فحسب، بل كان يحمل على عاتقه عبء النهضة الأدبية في لبنان والوطن العربي، وكانت بيروت جزءاً مهماً لا يتجزأ من حركة النهضة الثقافية في الوطن العربي، وأحد المحركات الأساسية لبعض المناطق الأخرى في فترات الركود الثقافي».

يضيف أن دور الفقيد كمحرك ثقافي ينبع من كونه صحافياً له تجربة صحافية مشرّفة أنارت الطريق للصحافة اللبنانية، فكان أحد الكتاب والمبدعين الذين أسسوا وأسهموا بكتاباتهم وأفكارهم في فترات المد القومي، وكانت بيروت، إلى جانب مصر والعراق وسورية، تؤدي دوراً في النهضة الثقافية في تلك الفترة».

يلفت إلى أن أنسي الحاج يحسب له أنه كان داعماً للكتابات الشعرية النثرية الجادة في الوطن العربي، ويتبنى المواهب الشابة، وكانت تربطه روابط وثيقة بحركة الشعر المصري وقصيدة النثر وكتابها في مصر على المستويين الفكري والشخصي.

يتابع: «أتصور أن فقدان أنسي الحاج هو فقدان عمود فقري أساسي من أعمدة الشعر في الوطن العربي، وأن عزاءنا في وفاته أن الشعراء لا يرحلون إلا بأجسادهم، فقد شكل، بأعماله الشعرية، ذائقة الملايين من محبي شعره وإبداعه وكتاباته المتفردة، فهو يستحق من الأصدقاء في بيروت الأساتذة والمثقفين الاحتفاء اللائق به، لتخليده الدائم عبر إنشاء مؤسسة ثقافية طليعية باسمه أو إصدار جائزة تخلد ذكراه، وإعادة طبع أعماله الكاملة».